خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

الۤمۤ
١
ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ
٢
نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ
٣
مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ ٱلْفُرْقَانَ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ
٤
-آل عمران

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

قولُه جَلَّتْ قدرته: { الۤمۤ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } الأبْرَعُ في نَظْمِ الآيةِ أنّ يكون: { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } كلاماً مبتدأً جزماً؛ جملةً رادةً علَىٰ نصارَى نَجْرَانَ الذين وفَدُوا علَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَحَاجُّوهُ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وقالوا: إِنَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ مَا هُوَ معلومٌ في السِّيَرِ، فنزل فيهم صَدْر هذه السورةِ إِلى نيِّفٍ وثمانينَ آيةً منْها، إلى أنْ دعَاهُمْ صلى الله عليه وسلم إلى الابْتِهَالِ.

وقد تقدَّم تفسيرُ قوله: { ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } في آية الكرسيِّ، والآيةُ هناك إِخبارٌ لجميعِ الناسِ، وكُرِّرتْ هنا إخباراً بحجج هؤلاءِ النصارَىٰ، ويردُّ عليهم؛ إِذ هذه الصفاتُ لا يمكنهم ٱدعاؤها لعيسَىٰ ـــ عليه السلام ـــ؛ لأنهم إِذ يقولُون: إِنه صُلِبَ، فذلك مَوْتٌ في معتقَدِهِمْ، وإِذْ من البيِّن أنَّه ليس بقَيُّومٍ.

وقراءة الجمهور «القَيُّوم»، وقرىء خارجَ السَّبْعِ: «القَيَّامُ»؛ و «القَيِّمُ»، وهذا كلُّه مِنْ: قَامَ بالأَمْرِ يقُومُ به، إِذا ٱضطَلعَ بحفْظِهِ، وبجميعِ ما يحتاجُ إِلَيْهِ في وُجُودِهِ، فاللَّه تعالَىٰ القَيَّامُ علَىٰ كلِّ شيءٍ ممَّا ينبغِي له، أوْ فِيهِ، أوْ عليه.

* ت *: وقد تقدَّم ما نقلْناه في هذا الاِسم الشريفِ؛ أنه اسمُ اللَّهِ الأعظمُ، قال النوويُّ: ورُوِّينَا في كتابِ التِّرمذيِّ؛ عن أَنَسٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّهُ كَانَ إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ، قَالَ: "يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ" ، قَالَ الحاكمُ: هذا حديثٌ صحيحُ الإِسناد. اهـــ.

قال صاحب «سلاح المؤمن»: وعنْ عليٍّ ـ رضي اللَّه عنه ـ، قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، قَاتَلْتُ شَيْئاً مِنْ قِتَالٍ، ثمَّ جئْتُ إِلَىٰ رسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم أَنْظُرُ مَا صَنَعَ فَجِئْتُ، فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ: "يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ" ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى القِتَالِ، ثُمَّ جِئْتُ، فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ؛ لاَ يَزِيدُ عَلَىٰ ذَلِكَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ إلَى الْقِتَالِ، ثُمَّ جِئْتُ، فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ ذَلِكَ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ» رواه النِّسائِيُّ، والحاكمُ في «المستدرك»، واللفظ للنسائِيِّ.

وعن أسماء بنتِ يَزيد ـــ رضي اللَّه عنها ـــ؛ أنَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "ٱسْمُ اللَّهِ الأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ: { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ }، وَفَاتِحَةِ آلِ عِمْرَانَ: { الۤمۤ * ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ }" رواه أبو داود، واللفظ له، والترمذيُّ، وابن ماجة، وقال التِّرْمِذِيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وعن أبي أُمَامَة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "ٱسْمُ اللَّهِ الأَعْظَمُ فِي ثَلاَثِ سُوَرٍ: فِي سُورَةِ البَقَرَةِ، وآل عِمْرَانَ، وَطَه" ، قال القاسِمُ: فَٱلْتَمسْتُهَا أنَّهُ الحَيُّ القَيُّومُ. انتهى.

وقوله: { بِٱلْحَقِّ }: يحتملُ معنيَيْنِ:

أحدهما: أنْ يكون المعنَىٰ: ضُمِّنَ الحقائقَ؛ في خبره، وأمره، ونهيه، ومواعظه.

والثانِي: أنْ يكون المعنَىٰ: أنه نَزَّلَ الكتابَ بٱستحقاقِ أنْ يُنَزَّل؛ لما فيه من المصلحةِ الشاملة، وليس ذلك على أنه واجبٌ على اللَّه تعالى أنْ يفعله.

* ت *: أي: إِذْ لا يجبُ عَلَى اللَّه سبحانه فعْلٌ؛

قال * ع *: فالباءِ، في هذا المعنَىٰ: علَىٰ حدِّ قوله: { سُبْحَـٰنَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ } [المائدة:116]. وقيل: معنى: { بِٱلْحَقِّ }: أيْ: مِمَّا ٱختلَفَ فيه أهْلُ الكتابِ، وٱضطرب فيه هؤلاءِ النصارَى الوافِدُونَ.

قال * ع *: وهذا داخلٌ في المعنى الأول.

وقوله: { مُصَدِّقاً }: حالٌ مؤكِّدة؛ لأنه لا يمكن أنْ يكون غير مصدِّقٍ، لما بين يديه من كتب اللَّه سُبْحانه، { وما بَيْن يديه }: هي التوراةُ والإِنجيلُ وسائرُ كُتُبِ اللَّه التي تُلُقِّيَتْ من شرعنا.

وقوله تعالى: { مِن قَبْلُ }: يعني: من قبل القرآن.

وقوله: { هُدىً لِّلنَّاسِ }: معناه: دُعَاءٌ، والنَّاسُ: بنو إِسرائيل في هذا الموضعِ، وإِن كان المراد أنهما هُدىً في ذاتهما، مَدْعُوٌّ إليه فرعَوْنُ وغَيْرُه، فالناسُ عامٌّ في كل مَنْ شاء حينئذٍ أنْ يستبصر، و { ٱلْفُرْقَانَ }: القرآن؛ لأنه فَرَقَ بيْنَ الحقِّ والباطلِ، ثم توعَّد سبحانه الكفَّارَ عموماً بالعذابِ الشديدِ، والإشارةُ بهذا الوعيدِ إلى نصارَىٰ نَجْرَانَ، و { عَزِيزٌ }: معناه: غالبٌ، والنقمة والاِنتقام: معاقبةُ المذْنِبِ بمبالغةٍ في ذلك.