خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ
١٧
وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ
١٨
يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَيُحْي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ
١٩
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ
٢٠
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
٢١
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ
٢٢
وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱبْتِغَآؤُكُمْ مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ
٢٣
وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَيُحْيِي بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
٢٤
وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ
٢٥
وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ
٢٦
وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٢٧
ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
٢٨
بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ
٢٩
-الروم

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ... } الآية خطابٌ للمؤمنين بالأمر بالعبادة والحضِّ على الصلاة في هذه الأوقات، كأنه يقول سبحانه: إذا كان أمر هذه الفرق هكذا من النقمة والعذاب، فجِدَّ أيها المؤمن في طريق الفوز برحمة اللّه. ورَوَى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ { فَسُبْحَانَ اللّه حين تمسون وحين تصبحون } إلى قوله: { وكذلك تخرجون } أَدْرَكَ مَا فَاتَهُ فِي يَوْمِه ذَلِكَ، وَمَنْ قَالَهُنَّ حِينَ يُمْسِي أَدْرَكَ مَا فَاتَهُ فِي لَيْلَتِهِ" . رواه أبو داود، انتهى من «السلاح».

قال ابن عباس وغيره: في هذه الآية تنبيهٌ علَى أربع صلواتٍ: المغرب، والصبح، والظهر، والعصر، قالوا: والعشاءُ الأخيرةُ هي في آية أخرى: في زلف الليل، وقد تقدم بيانُ هذا مُسْتَوْفَى في مَحَاله.

وقوله تعالى: { يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ... } الآية، تقدم بيانُها. ثم بعد هذه الأَمثِلَةِ القاضيةِ بتجويز بعث الأجساد عقلاً؛ ساق الخبر سبحانه بأن كذلك خروجَنا من قبورِنا، و { تَنتَشِرُونَ } معناه: تتصرفون وتتفرقون، والمودة والرحمة: هما على بابهما المشهور من التواد والتراحم؛ هذا هو البليغ. وقيل: غيرُ هذا.

وقرأ الجمهور: «للعالَمين» ـــ بفتح اللام ـــ يعني: جميع العالم. وقرأ حفصٌ عن عاصم ـــ بكسرها ـــ على معنى: أَنَّ أهلَ الانتفاع بالنظر فيها إنما هم أهل العلم، وباقي الآية اطْلبه في مَحَالِّه؛ تجده إن شاء اللّه مبيناً، وهذا شأننا إلاحالة في هذا المختصر؛ على ما تقدم بيانه، فاعلمه راشداً.

* ت *: وهذه الآياتُ والعبر إنما يعظمُ موقعُها في قلوب العارفين باللَّه سبحانه، ومن أكثرَ التفكُّرَ في عجائب صنع اللّه تعالى حَصَلَتْ له المعرفةُ باللّه سبحانه.

قال الغَزَالِيُّ في «الإحياء»: وبحر المعرفة لا ساحل له؛ والإحاطة بكنه جلال اللّه محالٌ، وكلما كثرت المعرفةُ باللّه تعالى وصفاتِه. وأَفعاله وأسرار مملكته وقويت ـــ كثر النعيم في الآخرة؛ وعظم، كما أنه كلما كثر البذر وحسن ـــ كثر الزرع وحسن.

وقال أيضاً في كتاب «شرح عجائب القلب» من «الإحياء»: وتكون سَعَةُ ملك العبد في الجنة؛ بحسب سِعَة معرفتِه باللّه، وبحسب ما يتجلَّىٰ له من عظمة اللّه ـــ سبحانه ـــ، وصفاتِه، وأفعاله، انتهى.

وقوله تعالى: { أَن تَقُومَ ٱلسَّمَاء وَٱلأَرْضُ } معناه: تثبت كقوله تعالى: { { وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } [البقرة:20].

وهذا كثير، والدعوة من الأرض: هي البعث ليوم القيامة، قال مكي: والأحسن عند أهل النظر أنَّ الوقفَ في هذه الآية يكونُ في آخرها، { تَخْرُجُونَ }؛ لأن مذهب سيبويهِ والخليلِ في «إذا» الثانية: أنها جوابُ الأولى، كأنه قال: ثم إذا دعاكم خرجتم؛ وهذا أسدُّ الأقوال.

وقال * ص *: { إِذَا أَنتُمْ }، «إذا»: للمفاجأة، وهل هي ظرفُ مكانٍ أو ظرفَ زمان؟ خلاف، و { مِنَ ٱلأَرْضِ } علَّقهُ الحُوفِيُّ بـ «دَعَا»، وأجاز * ع *: أن يتعلقَ بـ «دعوة» انتهى.

وقرأ حمزة والكسائي: «تَخْرُجُونَ» ـــ بفتح التاء، والباقون بضمها ـــ، والقنوت هنا بمعنى الخضوعِ، والانقيادِ في طاعتهِ سبحانه. وإعادة الخلق: هو بعثُهم من القبور.

وقوله تعالى: { وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } قال ابن عباس وغيره: المعنى: وهو هين عليه، وفي مصحف ابن مسعود «وهو هين عليه»، وفي بعض المصاحف «وكل هين عليه».

وقال ابن عباس أيضاً وغيره: المعنى: وهو أيسر عليه، قال: ولكن هذا التفضيل إنَّما هو بحسْب معتقدِ البَشَرِ؛ وما يعطيهم النظر في الشاهد من أن الإعَادَةِ في كثير من الأشياء أهون علينا من البدأة. ولما جاء بلفظٍ فيه استعارة، وتشبيه بما يعهده الناس من أنفسهم خَلُصَ جانبُ العظمة؛ بأن جعل له المثلَ الأعْلَى الذي لا يلحقه تكييف؛ ولا تماثل مع شيء. ثم بين تعالى أمر الأصنام وفسادَ معتقدِ مَن يُشْرِكُها باللّه ـــ بضربه هذا المثلَ ـــ؛ وهو قوله: { ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ... } الآية، ومعناه: أَنكم أيها الناس إذا كان لكم عبيدٌ تَمْلِكُونَهم؛ فإنكم لا تشركونهم في أموالكم، ومُهِمِّ أموركم، ولا في شيء على جهة استواءَ المنزلة. وليس من شأنكم أن تخافوهم في أن يرثوا أموالكم، أو يقاسموكم إياها في حياتكم، كما يفعل بعضكم ببعض؛ فإذا كان هذا فيكم، فكيف تقولون: أن من عبيده وملكه شركاءُ في سلطانِه وألوهيته؛ هذا تفسير ابن عباس والجماعة.