خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ يٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ
١٠
قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ
١١
وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ
١٢
قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
١٣
قُلِ ٱللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي
١٤
فَٱعْبُدُواْ مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ ٱلْخَاسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ
١٥
لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يٰعِبَادِ فَٱتَّقُونِ
١٦
-الزمر

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { قُلْ يَٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } يُرْوَى أنَّ هذهِ الآيةَ نزلتْ في جَعْفَرِ بن أبي طالب وأصحابِهِ، حِينَ عزموا على الهجرة إلَىٰ أرض الحبشة، ووعد سبحانه بقوله: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِى هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ } فقولهُ: { فِى هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا } متعلق بـ{ أَحْسَنُواْ }، والمعنَىٰ: إنَّ الذين يُحْسِنُونَ في الدنيا لَهُمْ حَسَنَةٌ في الآخِرَة، وهي الجنةُ والنعيمُ؛ قاله مقاتلٌ ويحتملُ أنْ يريدَ: أن الذينَ يُحْسِنُونَ لهُم حسَنَةٌ في الدنيا، وهي العافيةُ والظهورُ وولايةُ اللَّهِ تعالى؛ قاله السُّدّيُّ، والأَوَّلُ أرجح أن الحسَنَةَ هِي في الآخِرة.

وقوله سبحانه: { وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ } حَضٌّ عَلى الهجرةِ، ثم وَعَدَ تعالى على الصَّبْرِ على المكارِهِ، والخروج مِنَ الوَطَنِ ونُصْرَةِ الدينِ وجميعِ الطاعات ـــ بِتَوْفِيَةِ الأجورِ بغير حِسَابٍ، وهذا يحْتَمِلُ معنيين:

أحدهما: أن الصابرَ يُؤتَىٰ أَجْرَهُ وَلاَ يحاسَبُ على نعيمٍ ولا يُتَابَعُ بذنوبٍ، ويكونُ في جملة الذين يدخلون الجنةَ بغير حساب.

والثاني من المعنيين: أن أجورَ الصابرينَ تُوَفَّىٰ بغَيْرِ حَصْر وَلا عَدٍّ، بلْ جُزَافاً، وهذه استعارةٌ للكثرةِ التي لا تحصى؛ وإلى هذا التأويلِ ذَهَبَ جمهورُ المفسرينَ، حتى قال قتادةُ: لَيْسَ ثَمَّ واللَّهِ مِكْيَالٌ ولا ميزان، وفي الحديث أَنَّهُ لما نزلت { وَٱللَّهُ يُضَـٰعِفُ لِمَن يَشَاءُ } [البقرة:261] قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ، زِدْ أُمَّتِي" ، فَنَزَلَتْ بَعْدَ ذلِكَ { { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً } [البقرة:245] فقال: "اللَّهُمَّ زِدْ أُمَّتِي" حتى نزلَتْ: { إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }، قال: «رَضِيتُ يَا رَبِّ».

وقوله تعالى: { قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } من المعلوم أنه ـــ عليه السلام ـــ معصومٌ من العِصْيَانِ، وإنما الخطابُ بالآيةِ لأِمَّتِهِ يَعُمُّهُمْ حكمُهُ، ويحفُّهم وعيدُهُ.

وقوله: { فَٱعْبُدُواْ مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ } هذه صيغةُ أَمْرٍ عَلَىٰ جِهَةِ التهْدِيدِ، وهذا في القرآنِ كثيرٌ، و«الظُّلَّة» ما غَشِيَ وعَمَّ كالسَّحَابَةِ وَسَقْفِ البيت، ونحوِه.

[وقوله سبحانه: { ذٰلِكَ يُخَوِّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ } يريد: جميعَ العَالَمِ].