خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلّجَنَّةِ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ
٧٣
وَقَـالُواْ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ فَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ
٧٤
وَتَرَى ٱلْمَلاَئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ ٱلْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْحَقِّ وَقِيلَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٧٥
-الزمر

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ }: لَفْظٌ يعمُّ كُلَّ مَنْ يدخلُ الجنةَ من المؤمنينَ الذين ٱتَّقَوُا الشِّرْكَ، والواو في قوله: { وَفُتِحَتْ } مؤذِنَةٌ بأنها قَدْ فتحت قبل وصولهِم إليها، وقالتْ فِرْقَةٌ: هي زائدةٌ وقالَ قَوْمٌ: أشَارَ إلَيْهِمُ ابن الأنباريِّ، وضَعَّفَ قولَهُم: هذه واو الثمانيةِ، وقد تقدَّم الكلامُ عليها، وجَوابُ «إذا» فُتِحَتْ، وعَنِ المُبَرِّدِ: جوابُ «إذا» محذوفٌ، تقديره بعد قوله: { خَـٰلِدِينَ }: سُعِدُوا وسقطَتْ هذه الواوُ في مصحف ابن مسعود، { وَسَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ } تحيةٌ، و{ طِبْتُمْ } معناه: أعمالاً ومُعْتَقَداً وَمُسْتَقَرّاً وجَزَاءً، { وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ } يُريدُ: أرْضَ الجَنَّةِ، و{ نَتَبَوَّأُ } معناه: نتخذ أَمْكِنَةٌ ومَسَاكِنَ، ثم وَصَفَ تعالَىٰ حَالَةَ الملائِكَةِ مِنَ العَرْشِ وَحُفُوفَهُمْ به والحفُوفُ الإحْدَاقُ بالشَّيْءِ، وهذه اللفظة مأخوذةٌ من الحِفَافِ، وهو الجانبُ، قال ابن المبارِك في «رقائقه»: أخبرنا مَعْمَرٌ عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضَمْرَةَ عن علي؛ أنه تلا هذه الآية: { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلّجَنَّةِ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا } قال: وَجَدُوا عِنْدَ بَابِ الجَنَّةِ شَجَرَةً يخرجُ مِنْ ساقها عَيْنَانِ، فَعَمَدُوا إلى إحداهما كأنما أمروا بها، فاغْتَسَلُوا بها، فَلَمْ تَشْعَثْ رُؤُوسُهم بَعْدَها أبداً، ولم تَتَغَيَّرْ جُلُودُهُمْ بَعْدَهَا أبداً كأنما دُهِنُوا بِالدُّهْنِ، ثم عمدوا إلى الأخرَىٰ، فَشَرِبُوا مِنْهَا، فَطَهُرَتْ أجوافُهم، وغَسَلَتْ كُلَّ قَذِرٍ فيها، وَتَتَلَقَّاهُمْ عَلَىٰ كلِّ بَابٍ مِنْ أبوابِ الجَنَّةِ ملائكةٌ: { سَلَـٰمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَـٰلِدِينَ }، ثم تتلقَّاهم الوِلْدَانُ يُطِيفُونَ بهم كما يُطِيفُ وِلْدَانُ الدُّنْيا بالحَمِيمِ، يجيءُ من الغَيْبَةِ يقولونَ: أَبْشِرْ، أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ كَذَا وَكَذَا، وأَعَدَّ اللَّهُ لَكَ كَذَا، ثم يَذْهَبُ الغُلاَمُ مِنْهُمْ إلى الزَّوْجَةِ مِنْ أزْوَاجِهِ، فيقولُ: قَدْ جَاءَ فُلاَنٌ بِٱسْمِهِ الَّذِي كَانَ يَدَّعِي به في الدنيا، فَتَقُولُ لَهُ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَيَسْتَخِفُّها الفَرَحُ حَتَّىٰ تَقُومَ عَلَىٰ أُسْكُفَّةِ بَابِها، ثم ترجِعُ، فيجيءُ، فَيَنْظُرُ إلَىٰ تَأْسِيسِ بنيانِهِ من جَنْدَلِ اللؤلؤ أخضَرَ وأصْفَر وأحْمَر؛ مِنْ كُلِّ لَوْنٍ ثم يجلسُ فينظُرُ؛ فإذا زَرَابِيُّ مبثُوثَةٌ، وأكوابٌ موضوعَةٌ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ـــ فَلَوْلاَ أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ ذَلِكَ، لأَذْهَبَ بَصَرَهُ ـــ إنَّما هُوَ مِثْلُ البَرْقِ؛ ثم يقول: الحمدُ لِلَّهِ الذِي هَدَانَا لِهذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللَّهُ، انتهى.

وقوله تعالى: { يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } قَالَتْ فرقَةٌ معناه: أَنَّ تَسْبِيحَهُمْ يَتَأَتَّىٰ بِحَمْدِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ، وقالَتْ فرقةٌ: تسبيحُهُمْ هُوَ بتردِيدِ حَمْدِ اللَّهِ، وتَكْرَارِهِ، قال الثعلبيُّ: مُتَلَذِّذِينَ لاَ مُتَعَبِّدِينَ مُكَلَّفِينَ.

وقوله تعالى: { وَقِيلَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } خَتْمٌ للأمرِ، وقولٌ جَزْمٌ عِنْدَ فصلِ القَضَاءِ، أي: أن هذا المَلِكَ الحَاكِمَ العادلَ ينبغي أن يُحْمَدَ عِنْدَ نفوذِ حكمه وإكمال قضائِهِ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَمِنْ هٰذِهِ الآيةِ جُعِلَتْ { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } خَاتمةَ المجالِسِ والمُجْتَمَعَاتِ في الْعِلْمِ، قال قَتَادَةُ: فَتَحَ اللَّهُ أَوَّلَ الخَلَقِ بالحمدِ، فقال: { { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } [الأنعام:1] وخَتَمَ القيامَةَ بالحَمْدِ في هذه الآية.

قال * ع *: وَجَعَلَ سُبْحَانَهُ { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ربِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } فَاتِحَةَ كتابهِ؛ فَبِه يُبْدَأ كلُّ أمْرٍ وَبِه يُخْتَمُ، وحَمْدُ اللَّهِ تعالَىٰ وتقديسُهُ ينبغي أن يكونَ مِن المؤمنِ؛ كما قيل: [الطويل]

وَآخِرُ شَيْءٍ أَنْتَ في كُلِّ ضَجْعَةٍوَأَوَّلُ شَيْءٍ أَنْتَ عِنْدَ هُبُوبي