خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً
١
-النساء

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

قوله تعالى: { يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ... } الآية: في الآية تنبيهٌ على الصانع، وعلى افتتاحِ الوجودِ، وفيها حضٌّ على التواصل لحرمةِ هذا النَّسَب، والمرادُ بالنَّفْس آدم صلى الله عليه وسلم، وقال: { وٰحِدَةٌ }؛ على تأنيثِ لفظ النَّفْس، و «زَوجَهَا»، يعني: حَوَّاء، قال ابن عَبَّاس وغيره: خَلَق اللَّه آدم وَحِشاً في الجنة وحده، ثم نام، فَٱنْتَزَعَ اللَّهُ إحدى أضلاعه القُصَيْرَىٰ مِنْ شِمَاله، وقيل: مِنْ يمينه، فَخَلَقَ منها حَوَّاء، ويَعْضُدُ هذا ــــ الحديثُ الصحيح في قوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ أَعْوَجَ..." الحديث، { وَبَثَّ }: معناه: نَشَرَ؛ كقوله تعالى: { { كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ } [القارعة:4] أي: المنتشر، وفي تكرير الأمر بالتقوَىٰ تأكيدٌ لنفوس المأمورِينَ، و { تَسَاءَلُونَ }: معْنَاه: تتعاطَفُون به، فيقول أحدكم: أسألكَ باللَّه، وقوله: { وَٱلأَرْحَامَ }، أي: وٱتقوا الأرحَامَ، وقرأ حمزةُ «والأَرْحَامِ» (بالخفض)؛ عطفًا على الضميرِ؛ كقولهم: أسألك باللَّه وبالرَّحِمِ؛ قاله مجاهد وغيره.

قال * ع *: وهذه القراءةُ عند نحاة البَصْرة لا تَجُوز؛ لأنه لا يجوزُ عندهم أنْ يعطف ظَاهِرٌ على مضمرٍ مخفوضٍ إلا في ضرورة الشِّعْرِ؛ كقوله: [البسيط]

................. فَٱذْهَبْ فَمَا بِكَ وَالأَيَّامِ مِنْ عَجَبِ

لأن الضميرَ المخفوضَ لا ينفصلُ؛ فهو كحرف من الكلمة، ولا يعطف على حرفٍ، واستسهلَ بعضُ النحاة هذه القراءة. انتهى كلام * ع *.

قال * ص *: والصحيحُ جوازُ العَطْف على الضميرِ المجرورِ من غير إعادة الجَارِّ؛ كمذهب الكوفيِّين، ولا تُرَدُّ القراءة المتواترةُ بمثل مذهب البصريِّين، قال: وقد أمعنَّا الكلامَ عليه في قوله تعالَىٰ: { { وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } [البقرة:217] انتهى، وهو حسنٌ، ونحوه للإمام الفَخْر.

وفي قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }: ضرْبٌ من الوعيدِ، قال المُحَاسِبِيُّ: سألتُ أبا جَعْفَرٍ محمدَ بْنَ موسَىٰ، فقلْتُ: أجمل حالاتِ العارفين ما هِيَ؟ فقال: إن الحال التي تَجْمَعُ لك الحالاتِ المَحْمُودةَ كلَّها في حالةٍ واحدةٍ هي المراقبةُ، فَألْزِمْ نفْسَكَ، وقَلْبَكَ دَوَامَ العِلْمِ بنَظَرِ اللَّه إليك؛ في حركَتِك، وسكونِكِ، وجميعِ أحوالِكِ؛ فإنَّك بعَيْنِ اللَّهِ (عزَّ وجلَّ) في جميعِ تقلُّباتك، وإنَّك في قبضته؛ حيث كُنْتَ، وإنَّ عين اللَّه علَىٰ قلبك، ونَاظِرٌ إلى سِرِّك وعلانيتِكَ، فهذه الصفةُ، يا فَتَىٰ، بحْرٌ ليس له شطٌّ، بَحْر تجري منْه السواقِي والأنهارُ، وتسيرُ فيه السُّفُن إلى معادِنِ الغنيمةِ. انتهى من كتاب «القصد إلى اللَّه سبحانه».