خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً
٧٩
مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً
٨٠
وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ ٱلَّذِي تَقُولُ وَٱللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً
٨١
-النساء

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { مَّا أَصَـابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ... } الآية: خطابٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وغيرُهُ داخلٌ في المعنَىٰ، ومعنى الآية؛ عند ابنِ عَبَّاس وغيره: على القَطْع، وٱستئْنافِ الأخبارِ مِنَ اللَّه عزَّ وجلَّ؛ بأنَّ الحسَنَةَ منْه، ومِنْ فضله، وبأنَّ السيئةِ مِنَ الإنسان؛ بإذناه، وهي من اللَّه تعالَىٰ بخَلْقِهِ وٱختراعه، لا خالِقَ سواه سبحانه، لا شريكَ لَهُ، وفي مُصْحَفِ ابنِ مَسْعودٍ: «فَمِنْ نَفْسِكَ، وَأَنَا قَضَيْتُهَا عَلَيْكَ»، وقرأ بها ابنُ عَبَّاس، وفي رواية: «وَأَنَا قَدَّرْتُهَا عَلَيْكَ»؛ ويعْضُدُ هذا التأويلَ أحاديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم معناها: أنَّ ما يُصِيبُ ابْنَ آدَمَ من المصائِبِ، فإنما هو عقوبةُ ذنوبه، قال أبو جعفر أحمَدُ بْنُ نَصْرٍ الدَّاوُودِيُّ: قوله تعالى: { وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ }: خطابٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، والمرادُ غيره. انتهى.

وفي قوله سبحانه: { وَأَرْسَلْنَـٰكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً }، ثم تلاه بقوله: { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً }: توعُّدٌ للكُفَّار، وتهديدٌ تقتضيه قُوَّة الكلامِ؛ لأن المعنَىٰ: شهيداً علَىٰ مَنْ كذَّبه.

وقوله تعالى: { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ }، فالمعنى: أنَّ الرسول ـــ عليه السلام ـــ إنما يأمر وينهَىٰ؛ بياناً وتبليغاً عن اللَّه، و { تَوَلَّىٰ }: معناه: أَعْرَضَ، و { حَفِيظاً }: يحتملُ معنَيَيْنِ: أي: لِتَحْفَظَهُمْ حتَّىٰ لا يقَعُوا في الكُفْر والمعاصِي ونحوه، أو لتَحْفَظَ مساوِيَهُمْ وتَحْسِبَها عليهم، وهذه الآيةُ تقتضِي الإعراضَ عَمَّنْ تولَّىٰ، والتَّرْكَ له، وهي قَبْلَ نزولِ القِتَالِ، وإنما كانَتْ توطئةً ورِفْقاً من اللَّه عز وجل؛ حتَّىٰ يستحكم أمرُ الإسلام.

وقوله تعالى: { وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ... } الآية: نزلَتْ في المنافقينَ بٱتفاقِ المفسِّرين، المعنَىٰ: يقولُونَ لك، يا محمَّد: أَمْرُنَا طاعةٌ، فإذا خرجوا مِنْ عِنْدِكَ، ٱجتمعوا ليلاً، وقالوا غيْرَ ما أظهروا لَكَ، و { بَيَّتَ }: معناه: فَعَلَ لَيْلاً، وهو مأخوذٌ مِنْ بَاتَ أوْ مِنَ البَيْتِ؛ لأنه مُلْتَزَمٌ باللَّيْل.

وقوله: { تَقُولَ }: يحتملُ أنْ يكون معناه: تَقُولُ أنْتَ، ويحتملُ تَقُولُ هِيَ لَكَ، والأمْرُ بالإعراض إنَّما هو عِنْدَ معاقبتهم ومجازاتِهِمْ، وأما ٱستمرارُ عِظَتِهِمْ ودَعْوتِهِم، فلازمٌ، ثم أمر سبحانه بالتوكُّل عليه، والتمسُّك بعُرْوته الوثقَىٰ؛ ثقةً بإنجاز وعده في النَّصْر، والوَكِيلُ: القائمُ بالأمورِ المُصْلِحُ لما يُخَافُ مِنْ فسادها.