وقوله تعالى: { إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ... } الآية، المعنى: إنَّ علم الساعة ووقتَ مجيئها يَرُدُّهُ كُلُّ مؤْمِنٍ متكلِّم فيه إلى اللَّه عز وجل.
وقوله تعالى: { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِى... } الآية، التقدير: واذكر يوم يناديهم، والضمير في { يُنَادِيهِمْ } الأظهر والأسبق فيه للفهم: أنَّه يريد الكفارَ عَبَدَةَ الأوثان، ويحتمل أنْ يريد كُلَّ مَنْ عُبِدَ من دون اللَّه من إنسانٍ وغَيْرِهِ، وفي هذا ضَعْفٌ، وأَمَّا الضمير في قوله: { وَضَلَّ عَنْهُم } فلا ٱحتمالَ لِعَوْدَتِهِ إلاَّ على الكفار، و{ ءَاذَنَّاكَ } قال ابن عباس وغيره: معناه: أعلمناك ما مِنَّا مَنْ يشهدُ، ولا مَنْ شَهِدَ بأنَّ لك شريكاً { وَضَلَّ عَنْهُم } أي: نَسُوا ما كانوا يقولُونَ في الدنيا، ويَدْعُونَ من الآلهة والأصنام، ويحتمل أن يريد: وضَلَّ عنهم الأصنام، أي: تلفت، فلم يجدوا منها نَصْراً، وتلاشَىٰ لهم أمْرُهَا.
وقوله: { وَظَنُّواْ } يحتمل أنْ يكونَ متَّصِلاً بما قبله، ويكون الوقْفُ عليه، ويكون قوله: { مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } استئنافاً، نفَى أنْ يكُونَ لهم مَلْجَأً أو موضِعَ رَوَغَانٍ، تقول: حَاصَ الرَّجُلُ: إذَا رَاغَ لِطَلَبِ النجاةِ مِنْ شَيْءٍ؛ ومنه الحديثُ:
"فَحاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إلَى الأَبْوَابِ" ، ويكونَ الظَّنُّ على هذا التأويل على بابه، أي: ظَنُّوا أَنَّ هذه المقالة { مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ } مَنْجَاةٌ لهم، أو أمر يموِّهون به، ويحتمل أنْ يكون الوقف في قوله: { مِن قَبْلُ }، ويكون { وَظَنُّواْ } متصلاً بقوله: { مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } أي: ظنوا ذلك، ويكون الظن على هذا التأويل بمعنى اليقين، وقد تقدَّم البحثُ في إطلاق الظن على اليقين. * ت *: وهذا التأويلُ هو الظاهرُ، والأوَّلُ بعيدٌ جدًّا.
وقوله تعالى: { لاَّ يَسْـئَمُ ٱلإِنْسَـٰنُ مِن دُعَاءِ ٱلْخَيْرِ } هذه آياتٌ نزلَتْ في كُفَّارٍ، قيل: في الوليد بن المُغِيرَةِ، وقيل: في عُتْبَةَ بنِ رَبِيعَةَ، وجُلُّ الآية يُعْطِي أَنَّها نزلَتْ في كُفَّارٍ، وإنْ كان أَوَّلُها يتضمن خُلُقاً ربما شارك فيها بَعْضُ المؤمنين.
و{ دُعَاءِ ٱلْخَيْرِ } إضافته إضافة المصدر إلى المفعول، وفي مصحف ابن مسعود: «مِنْ دُعَاءٍ بالْخَيْرِ» والخيرُ في هذه الآية المالُ والصحَّةُ، وبذلك تليق الآية بالكفَّار.
وقوله تعالى: { لَيَقُولَنَّ هَـٰذَا لِى } أي: بعملي وبما سعيت ولا يرى أَنَّ النِّعَمَ إنَّما هي فَضْلٌ من اللَّهِ تعالَىٰ؛ قال * ص *: { لَيَقُولَنَّ } قال أبو البقاءِ: هو جَوَابُ الشَّرْطِ، والفاء محذوفةٌ، وقيل: هو جوابُ قَسَمٍ محذوفٍ، قال * ص *: قُلْتُ: هذا هو الحَقُّ، والأَوَّلُ غلَطٌ؛ لأَنَّ القَسَمَ قد تقدَّم في قوله: { وَلَئِنِ } فالجواب له، ولأَنَّ حذف الفاء في الجواب لا يجوزُ، انتهى، وفي تغليط الصَّفَاقُسِيِّ لأبي البقاء نظر.
وقوله: { وَمَا أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً } قولٌ بَيِّنٌ فيه الجَحْدُ والكُفْر، ثم يقول هذا الكافر: { وَلَئِن رُّجِّعْتُ إِلَىٰ رَبِّى }: كما تقولُونَ: «إن لي عنده للحسنى» أي: حالاً ترضيني من مال، وبنين، وغيرِ ذلك، قال * ع *: والأمانيُّ على اللَّه تعالى، وتركُ الجِدِّ في الطاعةِ مذمومٌ لكُلِّ أحد؛ فقد قال عليه السلام:
"الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لَمَا بَعْدَ المَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنِ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّىٰ عَلَى اللَّهِ " .