خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ
٣٤
وَيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ
٣٥
فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
٣٦
وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ
٣٧
-الشورى

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُواْ }: أوْبَقْتُ الرَّجُلَ: إذا أَنْشَبْتَهُ في أمْرٍ يَهْلِكُ فِيهِ، وهو في السفُنِ تغريقها و{ بِمَا كَسَبُواْ } أي: بذنوب رُكَّابها، وقرأ نافع، وابن عامر: «وَيَعْلَمُ» بالرفع؛ على القطع والاستئناف، وقرأ الباقون والجمهور: «وَيَعْلَمَ» بالنصب؛ على تقدير «أنْ»، و«المَحِيصُ»: المَنْجَىٰ، وموضعُ الرَّوَغَانِ.

ثم وعَظَ سبحانه عبادَهُ، وحَقَّر عندهم أمر الدنيا وشأنها، ورَغَّبَهُمْ فيما عنده من النعيم والمنزلة الرفيعة لديه، وعَظَّم قَدْرَ ذلك في قوله: { فَمَا أُوتِيتُمْ مِّن شَىْءٍ فَمَتَـٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } وقرأ الجمهور: { كَبَـٰئِرَ } على الجمع؛ قال الحسن: هي كُلُّ ما تُوُعِّدَ فيه بالنار، وقد تقدَّم ما ذَكَرَهُ الناس في الكبائر في سورة النساء وغيرها، { وَٱلْفَوٰحِشَ }: قال السُّدِّيُّ: الزنا، وقال مقاتل: مُوجِبَاتُ الحدود.

وقوله تعالى: { وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ } حَضٌّ على كسر الغضب والتدرُّب في إطفائه؛ إذ هو جمرةٌ من جَهَنَّمَ، وبَابٌ مِنْ أبوابها، وقال رجلٌ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أوْصِنِي، قَالَ: لاَ تَغْضَبْ، قَالَ: زِدْني، قَال: لاَ تَغْضَبْ، قَالَ: زِدنِي، قَالَ: لاَ تَغْضَبْ" ، ومَنْ جاهد هذا العَارِضَ مِنْ نَفْسِهِ حتَّىٰ غَلَبَهُ، فقدْ كُفِيَ هَمًّا عظيماً في دنياه وآخرته.

* ت *: "وروىٰ مالكٌ في المُوَطَّإ أَنَّ رجُلاً أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ أَعِيشُ بِهِنَّ وَلاَ تُكْثِرْ عَلَيَّ فَأَنْسَىٰ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: لاَ تَغْضَبْ" قال أبو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ البَرِّ: أراد: عَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي بكلماتٍ قليلةٍ؛ لئلاَّ أَنْسَىٰ إنْ أكْثَرْتَ عَلَيَّ، ثم أسند أبو عُمَرَ من طُرُقٍ عن الأحنفِ بن قَيْسٍ عن عَمِّه جَارِيَةَ بْنِ قُدَامَةَ، أَنَّه قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْ لي قَوْلاً يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِ، وأَقْلِلْ لِي؛ لَعَلِّي أَعْقِلُهُ، قَال: "لاَ تَغْضَبْ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ مِراراً، كُلُّها يُرَجِّعُ إليه رسُولُ اللَّه: لاَ تَغْضَبْ" ، انتهَىٰ من «التمهيد»، وأسند أبو عُمَرَ في «التمهيد» أيضاً عن عبد اللَّه بن أبي الهُذَيْلِ قال: لما رأىٰ يحيَىٰ أَنَّ عيسَىٰ مُفَارِقُهُ قال له: أَوْصِنِي، قَالَ: لا تَغْضَبْ، قال: لاَ أَسْتَطِيعُ، قال: لا تَقْتَنِ مَالاً، قال عَسَى. انتهى. وروى ابن المبارك في «رقائقه» بسنده عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ كَفَّ لِسَانَهُ عَنْ أَعْرَاضِ المُسْلِمِينَ أقال اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ عَنْهُمْ، وَقَاهُ اللَّهُ عَذَابَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" ، قال ابن المُبَارَكِ: وأخبرنا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عن خالدِ بْنِ مَعْدَانَ قال: إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وتعالَىٰ يَقُولُ: "مَنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وَمَنْ ذَكَرَنِي في مَلإَ ذَكَرْتُهُ في مَلإَ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَمَنْ ذَكَرَنِي حِينَ يَغْضَبُ ذَكَرْتُهُ حِينَ أَغْضَبُ فَلَمْ أَمْحَقْهُ فِيمَنْ أَمْحَقُ" انتهى.