وقوله سبحانه: { وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً... } الآية، روي عن ابن عباس وغيره في تفسيرها؛ أَنَّهُ لما نَزَلَتْ:
{ { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ } [آل عمران:59] الآية، وكَوْنُ عيسَىٰ من غير فَحْلٍ ـــ قالت قريشٌ: ما يريد محمدٌ من ذكر عيسَىٰ إلاَّ أَنْ نعبده نَحْنُ كما عَبَدَتِ النصارَىٰ عيسَىٰ، فهذا كان صدودُهُمْ. وقوله تعالى: { وَقَالُواْ ءَالِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ... } هذا ابتداء معنى ثان، وذلك أَنَّهُ لما نزل:
{ إنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [الأنبياء:98] الآية، قال [ابن] الزِّبَعْرَى ونظراؤه: يا محمد، أآلهتنا خير أم عيسَىٰ؟ فنحن نرضَىٰ أنْ تكُونَ آلهتنا مع عِيسَىٰ؛ إذْ هُوَ خَيْرٌ منها، وإذْ قد عُبِدَ، فهو من الحَصَبِ إذَنْ، فقال اللَّه تعالى: { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ } ومغالطةً، ونَسُوا أَنَّ عيسَىٰ لم يُعْبَدْ برضاً منه، وقالتْ فرقةٌ: المراد بـ{ هُوَ } محمَّد صلى الله عليه وسلم وهو قولُ قتادة، وفي مصحف [أُبَيٍّ]: «خَيْرٌ أَمْ هَذَا» فالإشارة إلى نِبِيِّنا محمد ـــ عليه السلام ـــ، وقال ابن زيد وغيره: المراد بـ{ هُوَ } عيسى، وهذا هو الراجح، ثم أخبر تعالى عنهم أَنَّهم أهلُ خصامٍ ولَدَدٍ، وأخبر عن عيسى بقوله: { إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ } أي: بالنبوَّة والمنزلة العالية. * ت *: ورُوِّينَا في «جامع الترمذيِّ» عن أبي أُمَامَةَ قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:
"مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إلاَّ أُوتُوا الجَدَلَ، ثم تلا هذه الآية: { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ }" قال أبو عيسَىٰ: هذا حديث حسنٌ صحيحٌ، انتهى. وقوله: { وَجَعَلْنَـٰهُ مَثَلاً } أي: عبرةً وآية { لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } والمعنى: لا تستغربوا أَنْ يُخْلَقَ عيسَىٰ مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ؛ فَإنَّ القُدْرَةَ تقتضي ذلك، وأكثر منه.