وقوله عز وجل: { قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِى إِسْرٰءِيلَ... } الآية، جوابُ هذا التوقيفِ محذوفٌ، تقديره: أَلَيْسَ قد ظلمتم؟! ودَلَّ على هذا المُقَدَّرِ قولُهُ تعالَىٰ: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } قال مجاهد وغيره: هذه الآية مدنية، والشاهد عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ، وقد قال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: فيَّ نَزَلَتْ، وقال مَسْرُوقُ بْنُ الأجْدَعِ والجمهورُ: الشاهد موسَى بْنُ عِمْرَانَ ـــ عليه السلام ـــ، والآية مكية، ورَجَّحَه الطَّبْرِيُّ.
وقوله: { عَلَىٰ مِثْلِهِ } يريد بالمثل التوراةَ، والضمير عائد في هذا التأويل على القرآن، أي: جاء شاهد من بني إسرائيل بمثله أَنَّه من عند اللَّه سبحانه.
وقوله: { فَـئَامَنَ }، على هذا التأويل، يعني به تصديقَ موسَىٰ وتبشيرَهُ بِنَبِيِّنا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
وقوله سبحانه: { وَمِن قَبْلِهِ } أي: مِنْ قَبْلِ القرآنِ { كِتَابُ مُوسَىٰ } يعني: التوراة { وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ } يعني القرآن { مُّصَدِّقُ } للتوراة التي تَضَمَّنَتْ خبره، وفي مصحف ابن مسعود: «مُصَدِّقٌ لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ» و{ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } هم: الكفار، وعَبَّرَ عن المؤمنين بالمحسنين؛ ليناسِبَ لفظ «الإحسان» في مقابلة «الظلم».
ثم أخبر تعالى عن حُسْنِ [حال] المستقيمين، وذهب كَثِيرٌ من الناس إلى أَنَّ المعنى: ثم استقاموا بالطاعات والأعمال الصالحات، وقال أبو بكر الصديق ـــ رضي اللَّه عنه ـــ المعنى: ثم استقاموا بالدَّوَامِ على الإيمان؛ قال * ع *: وهذا أَعَمُّ رجاءً وأَوْسَعُ، وإن كان في الجملة المؤمنة من يُعَذَّبُ وَيَنْفُذُ عليه الوعيد، فهو مِمَّنْ يَخْلُدُ في الجَنَّةِ، وينتفي عنه الخوفُ والحُزْنُ الحَالُّ بالكَفَرَةِ.
وقوله تعالى: { جَزَاءَ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } قد جعل اللَّه سبحانه الأعمالَ أَمَارَاتٍ علَىٰ ما سَيَصِيرُ إليه العَبْدُ، لا أَنَّهَا توجب على اللَّه شيئاً.