وقوله سبحانه: {قَالَ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللَّهِ...} الآية، المعنى: قال لهم هود: إنَّ هذا الوعيد ليس من قِبَلِي، وإنما الأمر فيه إلى اللَّه، وعِلْمُ وقته عنده، وإنَّما عَلَيَّ أَنْ أُبَلِّغَ فقطْ، والضميرُ في {رَأَوْهُ} يحتمل أنْ يعودَ على العذاب، ويحتمل أنْ يعودَ على الشيء المرئِيِّ الطالِعِ عليهم، وهو الذي فَسَّرَهُ قوله: {عَارِضاً} و«العَارِض»: هو ما يَعْرِضُ في الجَوِّ من السحاب المُمْطِر؛ قال ابن العربيِّ في «أحكامه» عند تفسيره قوله تعالى:
{ وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَـٰنِكُمْ } } [البقرة:224]: كُلُّ شيء عَرَضَ، فقد مَنَعَ، ويقال لِمَا عَرَضَ في السماء من السحاب: «عارِضٌ»؛ لأَنَّه مَنَعَ من رؤيتها ومن رؤية البدر والكواكب، انتهى، ورُوِيَ في معنى قوله: {مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ}؛ أَنَّ هؤلاء القومَ كانوا قد قَحَطُوا مُدَّةً، فطلع هذا العارض من جهة كانوا يُمْطَرُونَ بها أبداً، جاءهم من قِبَلِ وادٍ لهم يسمونه المُغِيثَ، قال ابن عباس: ففرحوا به، وقالوا: هذا عارضٌ مُمْطِرُنا، وقد كذب هودٌ فيما أوعد به، فقال لهم هُودٌ ـــ عليه السلام ـــ: ليس الأمر كما رأيتم، بل هو ما استعجلتم به في قولكم: { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا } } [الأحقاف:22] ثم قال: {رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} وفي قراءة ابن مسعود: «مُمْطِرُنَا قَالَ هُودٌ: بَلْ هُوَ رِيحٌ» بإظهار المُقَدَّرِ و{تُدَمِّرُ} معناه: تُهْلِكُ، و«والدمار»: الهلاك، وقوله: {كُلَّ شَىْءِ} ظاهره العموم، ومعناه الخُصُوصُ في كُلِّ ما أُمِرَتْ بتدميره، وروي أَنَّ هذه الريح رمتهم أجمعين في البَحْرِ. ثم خاطب جلَّ وعلا قريشاً على جهة الموعظة بقوله: {وَلَقَدْ مَكَّنَـٰهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّـٰكُمْ فِيهِ} فَـ«مَا» بمعنى «الذي»، و«إن» نافية وقعتْ مكان «مَا» لمختلف اللفظ، ومعنى الآية: ولقد أعطيناهُمْ من القُوَّةِ والغِنَىٰ والبَسْطِ في الأموال والأجسامِ ـــ ما لم نُعْطِكُمْ، ونالهم بسَبَبِ كُفْرِهِمْ هذا العَذَابُ؛ فأنتم أحرَىٰ بذلك؛ إذا تماديتم في كفركم، وقالت فرقة: «إنْ» شرطية، والجواب محذوف، تقديره: في الذي إنْ مَكَّنَّاكم فيه طغيتم، وهذا تَنَطُّعٌ في التأويل، و«ما» نافية في قوله: {فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ}؛ ويقوِّي ذلك دخولُ «مِنْ» في قوله: {مِّن شَىْءٍ}، وقالت فرقةٌ: بل هي استفهامٌ؛ على جهة التقرير؛ و{مِّن شَىْءٍ} ـــ على هذا ـــ تأكيدٌ؛ وهذا على غير مذهب سيبَوَيْهِ في دخول «مِنْ» في الجواب.