خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ قَالَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ
١١٢
قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ
١١٣
-المائدة

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { إِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ... } الآية: اعتراضٌ أثناء وَصْفِ حالِ قول اللَّه لعيسَىٰ يوم القيامة، مضمَّن الاعتراضِ إخبارُ نبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم، وأمته بنازلةِ الحواريِّين في المائدة، إذ هي مثالٌ نافعٌ لكلِّ أُمَّة مع نبيِّها تقتدِي بمحاسِنِهِ، وتزدجرُ عمَّا ينفُر منه مِنْ طلب الآياتِ ونحوه، وقرأ الجمهورُ: «هَلْ يَسْتَطِيعُ ربُّك» ـــ بالياءِ ورَفْعِ الباءِ ـــ من «رَبُّكَ»، والمعنى: هلْ يفعلُ ربُّك هذا، وهلْ تَقَعُ منه إجابةٌ إليه، ولم يكُنْ منهم هذا شَكًّا في قدرة اللَّه سبحَانَهُ؛ إذ هم أعرفُ باللَّه مِنْ أنْ يشكُّوا في قُدْرته، وقرأ الكسائيُّ: «هلْ تسْتَطِيعُ رَبَّكَ» ـــ بالتاء ونصبِ الباءِ مِنْ «رَبَّكَ» ـــ، والمعنى: هل تَسْتطيعُ سؤَالَ ربِّك، وأدغم اللام في التاء، أعني الكسائيَّ، وقال قومٌ: قال الحواريُّون هذه المقالةَ فِي صَدْر الأمر قبل عِلْمهم بأنه يُبْرِىءُ الأكمه والأبْرَصَ، ويُحْيِـــي الموتَىٰ، ويظهر من قوله ـــ عليه السلام ـــ: { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }: إنكارٌ لقولهم، وٱقتراحِهِمُ الآياتِ، والتعرُّضِ لسَخطِ اللَّه بها، وقلَّةِ طُمَأْنينتهم إلَىٰ ما قد ظهر، ولمَّا خاطبهم ـــ عليه السلام ـــ بهذه المخاطَبَة، صرَّحوا بمقاصدهم الَّتي حملَتْهم علَىٰ طَلَب المائدةِ، فقالوا: { نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا }؛ فنَشْرُفَ في العالَم، { وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا }، أي: تسكُنَ فِكرُنَا في أمرك بالمعايَنَةِ لأَمْرٍ نازلٍ من السماء بأعيننا، { وَنَعْلَمَ } علْمَ الضرورةِ والمشاهدةِ؛ { أَن قَدْ صَدَقْتَنَا }؛ فلا تَعْرِضُنا الشُّبَهُ التي تَعْرِضُ في عِلْم الاستدلالِ؛ وهذا يؤيِّد أنَّ مقالتهم كانَتْ في مبدأ أَمْرهم، ثم ٱستمرُّوا على إيمانهم، وصَبَرُوا، وهَلَكَ مَنْ كَفَر، وقولهم: { وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ }، أي: من الشاهدينَ بهذه النازلةِ، النَّاقلين لها إلى غيرنا الدَّاعين إلى هذا الشَّرْع؛ بسببها، ورُوِيَ أن الذي نَحَا بهم هذا المنحَىٰ مِنَ الٱقتراحِ هو أنَّ عيسَىٰ قال لهم مرَّةً: «هَلْ لَكُمْ فِي صِيَامِ ثَلاَثِينَ يَوْماً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ، ثُمَّ إنْ سَأَلْتُمُوهُ حَاجَةً، قَضَاهَا»، فَلَمَّا صَامُوهَا، قَالُوا: يا معلِّم الخَيْر، إنَّ حقَّ مَنْ عمل عملاً أنْ يُطْعَمَ، فَهَلْ يستطيعُ ربُّكَ، فأرادوا أنْ تكون المائدةُ عِيدَ ذلك الصَّوْم.