خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٣٧
وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَٰبِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ
٣٨
-الأنعام

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ } «لَوْلاَ» تحضيض بمعنى «هلاَ»، ومعنى الآية: هلا نزل على محمد بَيَانٌ واضح كَمَلَكٍ يَشْهَدُ له، أو كَنْزٍ، أو غير ذلك من تَشَطُّطهِم المَحْفُوظِ في هذا، ثم أُمِرَ ـــ عليه السلام ـــ بالرَّدِّ عليهم بأن اللَّه ـــ عز وجل ـــ قَادِرٌ على ذلك، ولكن أكثرهم لا يَعْلَمُونَ أنها لو نَزَلَتْ، ولم يؤمنوا لَعُوجِلُوا بالعَذَابِ، ويحتمل { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أنه ـــ سبحانه ـــ إنما جعل الإِنْذَارَ في آيات معرضة للنظر، والتأمُّلِ ليهتدي قَوْمٌ ويضلُّ آخرون.

وقوله سبحانه: { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَـٰلُكُمْ } المعنى: في هذه الآية التَّنْبِيهُ على آيات اللَّه المَوْجُودَةِ في أنواع مَخْلُوقَاتِهِ المَنْصُوبَةِ لمن فَكَّرَ واعتبر؛ كالدواب والطير، ويدخل في هَذَيْنِ جَمِيعُ الحَيَوَانِ، وهي أمم أي: جَمَاعَاتٌ مماثلة للناس في الخَلْقِ، والرزق، والحَيَاةِ، والمَوْتِ، والحَشْرِ.

ويحتمل أن يريد بالمُمَاثَلَةِ في كونها أمماً لا غير، إلا أن الفَائِدَةَ في هذه الآية بأن تكون المُمَاثَلَةُ في أَوْصَافٍ غير كونها أمماً.

قال الطبري، وغيره: والمُمَاثَلَةُ في أنها يُهْتَبَلُ بأعمالها، وتحاسب، ويقتصّ لبعضها من بَعْضٍ، على ما روي في الأحَادِيثِ؛ أي: فإذا كان هذا يُفْعَلْ بالبهائم، فأنتم أَحْرَى إذ أنتم مُكَلَّفُونَ عُقَلاَء.

وروى أبو ذَرٍّ: أنه انْتَطَحَتْ عنزان بِحَضْرَةِ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أَتَعْلَمُونَ فِيمَا انْتَطَحَتَا؟ قِلْنَا: لا، قال: فَإنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَسَيَقْضِي بَيْنَهُمَا" .

وقال مَكّي: المُمَاثَلَةُ في أنها تَعْرِفُ اللَّه، وتعبده.

وقوله: { بِجَنَاحَيْهِ } تأكيد، وبيان، وإزالة للاستعارة المُتَعَاهَدَةِ في هذه اللفظة؛ إذ يقال: طائر السَّعْدِ، والنَّحْسِ. وقال تعالى: { { أَلْزَمْنَـٰهُ طَـٰئِرَهُ فِي عُنُقِهِ } [الإسراء:13]، ويقال: طار لفلان طائر كذا، أي: سهمه في المقتسمات، فقوله تعالى: { بِجَنَاحَيْهِ } إخراج للطائر عن هذا كله.

وقوله سبحانه: { مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَـٰبِ مِن شَيْءٍ } التفريط: التقصير في الشَّيْءِ مع القُدْرَةِ على تَرْكِ التقصير.

قال أبو حيان: أصل فَرَّطْنَا يَتَعَدَّى بـــ «في» ثم يضمن معنى أغفلنا، فيتعدى إلى مَفْعُولٍ به، وهو هنا كذلك، فيكون { مِن شَيْءٍ } في مَوْضِعِ المفعول به. انتهى.

و { ٱلْكِتَـٰبِ }: القرآن وهو الذي يقتضيه نَظَامُ المعنى في هَذِهِ الآيَاتِ.

وقيل: اللوح المحفوظ، { وَمِنْ شَىْء } على هذا القول عَامٌّ في جَمِيعِ الأشياء، وعلى القول بأنه القُرْآن خَاصٌّ.

و { يُحْشَرُونَ }؛ قالت فرقة من العلماء: حَشْرُ البهائم بَعْثُهَا، واحتجوا بالأَحَادِيثِ المضمنة أن اللَّه ـــ تعالى ـــ يَقْتَصُّ لِلْجَمَّاءِ من القَرْنَاءِ، ومن قال: إنما هي كِنَايَةٌ عن العَدْلِ، وليست بحقيقة، فهو قول مَرْدُودٌ ينحو إلى القَوْلِ بالرُّمُوزِ ونحوها.