وقوله تعالَىٰ: {قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ...} الآية: هذا إخبارٌ يتضمَّن الوعيدَ، والأظهرُ مِنْ نَسَقِ الآياتِ: أنَّ هذا الخطابَ للكفَّار الذين تَقَدَّم ذكرهم، وهو مَذْهَبُ الطبريِّ.
وقال أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ، وجماعة: هو للمؤمِنِينَ، وهم المرادُ.
وهذا الاختلافُ إنما هو بحَسَبِ ما يَظْهَرُ منْ أنَّ الآية تتناوَلُ معانِيهَا المشركِينَ والمؤمنينَ؛ وفي «البخاريِّ» وغيره مِنْ حَدِيثِ جابرٍ وغيره:
"أنَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لما نزلَتِ الآيةُ: {قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ}، قَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ، فلما نزلَتْ: {أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ}، قَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ، فلما نزلَتْ: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} قال: هذه أهونُ أو أيَسر" ؛ فٱحتجَّ بهذا الحديثِ مَنْ قال: إنَّها نَزَلَتْ فِي المؤمنينَ، قال الطَّبريُّ وغيره: مُمْتَنِعٌ أنْ يكون النبيُّ صلى الله عليه وسلم تعوَّذ لأمَّته مِنْ هذه الأشياءِ الَّتي توعَّد بها الكُفَّار، وهَوَّنَ الثالثةَ؛ لأنَّها بالمعنَىٰ هي التي دعا فيها، فمنع حسب حديثِ «المُوطَّإ» وغيره، و {مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ}: لفظٌ عامٌّ للمنطبقِينَ علَىَ الإنسان، وقال السُّدِّيُّ، عن أبي مالِكٍ: {مِّن فَوْقِكُمْ}: الرَّجْم، {أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ}: الخَسْف؛ وقاله سعيدُ بن جُبَيْر ومجاهد. وقوله سبحانه: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً}: معناه: يخلِّطكم فِرَقاً، والبأْسُ: القَتْل، وما أشبهه من المَكَارِهِ، وفي قوله تعالى: {ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلأَيَـٰتِ}: استرجاعٌ لهم، وإنْ كان لفظها لَفْظَ تعجيب للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فمضمَّنها أنَّ هذه الآياتِ والدلائلَ؛ إنما هي لاستصرافهم عن طريقِ غَيِّهم، والفِقْهُ: الفَهْمُ.
وقوله تعالى: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ ٱلْحَقُّ}، الضمير في {بِهِ} عائدٌ على القُرآن الذي فيه جاءَ تصريفُ الآياتِ؛ قاله السُّدِّيُّ، وهذا هو الظاهرُ، ويحتملُ أنْ يعود الضميرُ على الوَعِيدِ الذي تضمَّنَتْه الآيةُ، ونحا إليه الطبريُّ، وقوله: {قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ}: معناه: لسْتُ بمدفوعٍ إلى أخْذكم بالإيمان والهُدَىٰ، وهذا كان قَبْلَ نزول آياتِ الجهادِ والأمْرِ بالقتالِ، ثم نُسِخَ.
وقوله سبحانه: {لّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ}: أيْ: غايةٌ يعرف عنْدَها صِدْقُه من كَذبِه، و {سَوْفَ تَعْلَمُونَ }: تهديدٌ محْضٌ ووعيدٌ.