خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٤١
إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا وَهُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ وَٱلرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي ٱلْمِيعَادِ وَلَـٰكِن لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ
٤٢
إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
٤٣
وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ ٱلْتَقَيْتُمْ فِيۤ أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِيۤ أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ
٤٤
-الأنفال

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله عزّ وجل: { وَٱعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ... } الآية: الغنيمةُ؛ في اللغة: ما يناله الرجلُ بسَعْيٍ؛ ومنه صلى الله عليه وسلم: "الصِّيَامُ في الشِّتَاءِ هِيَ الغَنِيمَةُ البَارِدَةُ" ، وقوله: { مِّن شَيْءٍ }: ظاهرة العمومُ، ومعناه الخصوصُ، فأَمَّا النَّاضُّ والمتاعُ والأطفال والنساء وما لا يؤكل [لحمه] من الحيوان ويَصِحُّ تملُّكه، فالإِمام يأخذ خُمْسُهُ، ويَقْسِمُ الباقي في الجيش، وأما الأرضُ، فقال فيها مالكٌ: يقسمها الإِمام؛ إِن رأَىٰ ذلك صواباً؛ كما فعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم بِخَيْبَرَ، أَوْ لاَ يَقْسِمُها، بل يتركها لنوائب المسلمينَ؛ إن أداه ٱجتهادُهُ إلى ذلك؛ كما فعل عُمَرُ بنُ الخطَّاب رضي اللَّه عنه بِأَرْضِ مِصْرِ وبسَوَادِ الكَوفة، وأمَّا الرجالُ، ومَنْ شارف البُلُوغ من الصِّبْيان، فالإِمام؛ عند مالك وجمهور العلماء، مُخَيَّرٌ فيهم علَى خمسة أوجه:

منها: القتل، وهو مستَحْسَنٌ في أهْل الشجاعة والنِّكَاية.

ومنها: الفداءُ، وهو مستحسنٌ في ذي المَنْصب الذي ليس بشُجَاع ولا يُخَاف منه رأْي ومَكِيدَة؛ لانتفاع المسلمين بالمَال الذي يؤخَذُ منه.

ومنها: المَنُّ، وهو مستحْسَنٌ فيمن يرجَىٰ أنْ يحنو على أَسْرَى المسلمين، ونحو ذلك من القرائن.

ومنها: ٱلاسترقاقُ.

ومنها: ضَرْبُ الجزية، والتَّرْكُ، في الذِّمَّة.

وأما الطعام، والغَنَمْ، ونَحْوَها ممَّا يؤكل، فهو مباحٌ في بلد العدو أكله، وما فَضَل منه كان في المَغْنَم.

ومحلُّ ٱستيعاب فُرُوعِ هذا الفَصْل كُتُب الفقه.

وقوله سبحانه: { وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا }، أي: من النصرَ والظهور الذي أنزله اللَّه سبحانه يَوْمَ بَدْر، ويحتمل أن تكون الإِشارة إِلى قرآن نزَلَ يوْمَ بدر، أو في قصَّة يوم بَدْر، ويوم الفُرْقَان: معناه: يَوْمُ الفَرْقِ بين الحقِّ والباطل؛ بإِعزاز الإِسلام وإِذلالِ الشرك، والجَمْعَانِ: يريد: جَمْعَ المسلمين وَجَمْعَ الكُفَّار، وهو يوم بَدْر، ولا خلاف في ذلك.

وقوله سبحانه: { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }، يَعْضُدُ أَنَّ قوله: { وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا }، يراد به النصْرُ والظَّفْر، أي: الآيات والعظائم مِنْ غلبة القليلِ للكثيرِ، وذلك بقدرة اللَّه عَزَّ وجَلَّ الذي هو عَلَى كلِّ شيء قدير.

وقوله سبحانه: { إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا وَهُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ وَٱلرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ }، العُدْوَة: شفيرُ الوادِي، وحَرْفُهُ الذي يتعذَّرُ المَشْيُ فيه بمنزلة رَجَا البئْر؛ لأنها عَدَتْ ما في الوادِي من ماء ونحوه؛ أن يتجاوز الوادِيَ، أي: منعته؛ ومنه قول الشاعر: [الوافر]

عَدَتْنِي عَنْ زِيَارَتِكِ العَوَادِيوَحَالَتْ دُونَهَا حَرْبٌ زَبُون

وقرأ ابنُ كَثِير، وأبو عمرو: { بِالعِدْوَة } - بِكَسْرِ العين -، وقوله: { ٱلدُّنْيَا }، و{ ٱلْقُصْوَىٰ }، إِنَّما هو بالإِضافة إِلى المدينة، وبين المدينة ووادِي بَدْر موضعُ الوقعة مَرْحَلتان، والدُّنْيَا: من الدُّنُوِّ، والقُصْوَىٰ: منِ القُصُوِّ، وهو البُعْد، { وَٱلرَّكْبُ }، بإِجماعٍ من المفسِّرين: عِيرُ أبي سفيان، وقوله: { أَسْفَلَ }، في موضع خَفْض، تقديره: في مكان أَسْفَلَ كَذَا.

قال سِيبَوَيْهِ: وكان الرَّكْبُ، ومُدَبِّر أمره أبو سفيانَ بْنُ حَرْب، قد نَكَبَ عن بَدْر حين نَذَرَ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأخَذَ سيْفَ البَحْرِ، فهو أَسْفَلُ؛ بالإِضافة إِلى أَعلى الوَادِي.

وقوله سبحانه: { وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي ٱلْمِيعَـٰدِ }، المَقْصدُ من الآية: تَبْيينُ نعمة اللَّه سُبْحانه في شأنِ قِصَّة بَدْر، وتيسيره سُبْحانه ما يَسَّر من ذلك، والمَعنَى: لو تواعدتم، لاختلفتم في الميعادِ بَسَببِ العوارِضِ التي تَعْرضُ للناس، إِلاَّ مع تيسير اللَّه الذي تَممَّ ذلك، وهذا كما تقولُ لصاحبك في أمْر سَنَاهُ اللَّه تعالى دونَ تَعَبٍ كثير: لَوْ بَنَيْنَا عَلَى هَذَا، وسَعَيْنَا فِيهِ، لَمْ يَتِمَّ هَكَذَا، { وَلَـٰكِن لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً }، أي: لينفِّذَ ويُظْهِر أمراً قد قدَّره في الأزل مفعولاً لكم؛ بشرط وجودكم في وَقْتِ وجودِكُمْ، وهذا كلُّه معلومٌ عنده عزَّ وجلَّ لم يتجدَّد له به علْمٌ، وقوله عزَّ وجلَّ: { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ }، قال الطبريُّ: المَعنى: ليُقْتَلَ من قُتِلَ من كفَّار قريش وغيرهم؛ ببيانٍ مِنَ اللَّه وإِعذارٍ بالرسالة، ويَحْيَا أيضاً ويعيشَ مَنْ عاش؛ عن بيانٍ منْه أيضاً وإِعذار؛ لا حجة لأحد عليه سبحانه.

* ت *: قال أبو عمر بنُ عَبْدِ البَرِّ في كتاب «فضل العلْمِ» في قوله عز وجلَّ: { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ... } الآية: البيِّنة: ما بان به الحقُّ. انتهى.

وقال ابنُ إِسْحَاق وغيره: معنى «لِيَهْلِكَ»، أيْ: لِيَكْفُرَ، و«يَحْيَا» أي: ليؤمنَ؛ فالحياةُ والهلاكُ على هذا التأويل: مستعارتان.

وقوله سبحانه: { إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً... } الآية: وتظاهرتِ الرواياتُ؛ أن هذه الآية نزلَتْ في رُؤْيَا رآها رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رأَىٰ فيها عَدَدَ الكُفَّار قليلاً، فأَخبر بذلك أصحابه، فقَوِيَتْ نفوسُهم، وحَرِصُوا على اللقاء؛ قاله مجاهد وغيره، والظاهر أنه رآهم صلى الله عليه وسلم في نومه قليلاً قَدْرُهُم وبأْسُهم، ويحتمل أنه رآهم قليلاً عدَدُهم، فكان تأويلُ رؤياه ٱنْهِزَامَهُمْ، والفَشَلُ: الخَوَرُ عن الأمر، و{ لَتَنَازَعْتُمْ }، أي: لتخالَفْتم في الأمر، يريد: في اللقاءِ والحَرْبِ. و{ سَلَّمٌ }: لفظ يعمُّ كلَّ متخوَّف.

وقوله سبحانه: { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ ٱلْتَقَيْتُمْ... } الآية:، وهذه الرؤية هي في اليقظة بإِجماع، وهي الرؤية التي كانَتْ حين ٱلّتَقَوْا، ووقعتِ العَيْنُ على العين، والمعنَى: أن اللَّه تعالَى؛ لَمَا أراده من إِنفاذ قضاءه في نُصْرة الإِسلام وإِظهار دِينِهِ، قَلَّلَ كُلَّ طائفةٍ في عُيُونِ الأخرَى، فوقع الخَلَلُ في التخمينِ والحَزْرِ الذي يستعمله الناسُ في هذا؛ لتَجْسُرَ كلُّ طائفة على الأخرَى، وتتسبَّب أسبابُ الحَرْب، والأمر المفعولُ المذكورُ في الآيتين هو القصَّة بأجمعها.

وقوله: { وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }: تنبيهٌ علَى أن الحَوْلَ بأجمعه للَّه، وأنَّ كلَّ أمّرٍ، فَلهُ وإِليه.