وقوله تعالى: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ ٱلْكُفَّارِ } قيل: إِنَّ هذه الآية نزَلَتْ قبل الأمر بقتال الكُفَّار كافَّة، فهي من التدريجِ الذي كان في أوَّل الإِسلام.
قال * ع *: وهذا ضعيفٌ فإِن هذه السورة من آخر ما نَزَلَ.
وقالتْ فرقة: معنى الآية أنَّ اللَّه تبارك وتعالى أمر فيها المؤمنين أنْ يقاتل كُلُّ فريقٍ منهم الجنْسَ الذي يليه من الكَفَرة.
وقوله سبحانه: { وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً }: أي: خشونةً وبأساً، ثم وعَدَ سبحانه في آخر الآية وحَضَّ على التقوَى التي هي مِلاَكُ الدِّينِ والدنيا، وبها يُلْقَى العَدُوُّ، وقد قال بعضُ الصحابة: إِنما تُقَاتِلُونَ النَّاس بأَعمالكم، وَوَعَد سبحانه أنه مع المتَّقِينَ، وَمَنْ كان اللَّه مَعِهُ، فَلَنْ يُغْلَبَ.
وقوله تعالى: { وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَـٰناً... } الآية: هذه الآية نزلَتْ في شأن المنافقين، وقولهم: { أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَـٰناً } يحتمل أنْ يكون لمنافقينَ مِثْلِهِمْ، أو لقومٍ من قراباتهم؛ علَى جهة ٱلاستخفَافِ والتحقير لشأن السُّورة، ثم ابتدأ عزَّ وجلَّ الردَّ عليهم بقوله: { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً } وذلك أنه إذا نزلَتْ سورةٌ، حَدَثَ للمؤمنين بها تصديقٌ خاصٌّ، لم يكنْ قبلُ، فتصديقهم بما تضمَّنته السورةُ مِنْ أخبار وأمرٍ ونَهْيٍ أمرٌ زائد على الذي كان عِنْدهم قبلُ، وهذا وجْهٌ من زيادة الإِيمان.
ووجه آخر؛ أنَّ السورة ربَّما تضمَّنت دليلاً أو تنبيهاً على دليل، فيكون المؤمن قد عَرَفَ اللَّه بعدَّة أدلَّة، فإِذا نزلت السورةُ، زادَتْ في أدلَّته، وَوَجْهٌ آخر من وجوه الزيادة أنَّ الإِنسان ربَّما عرضه شكٌ يسيرٌ، أو لاحَتْ له شبهة مشغِّبة، فإِذا نزلَتِ السورة، ارتَفَعَتْ تلك الشبهة، وقَوِيَ إِيمانه وٱرتقَى ٱعتقاده عن معارَضَة الشبهاتِ، { ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ }: هم المنافقون، و«الرجْسُ»؛ في اللغة: يجيء بمعنى القَذَرِ، ويجيء بمعنى العذاب، وحالُ هؤلاء المنافقين هي قَذَرٌ، وهي عذابٌ عاجلٌ، كفيلٌ بآجِلٍ، وإِذا تَجدَّد كفْرُهم بسورةٍ، فقد زاد كُفْرهم، فذلك زيادةُ رجْسٍ إِلى رِجْسهم.
وقوله سبحانه: { أَوَلاَ يَرَوْنَ } يعني: المنافقين، وقرأ حَمزة: «أَوَلاَ تَرَوْنَ» - بالتاء من فوق -؛ على معنى: أولا تَرَوْنَ أيُّها المؤمنون؛ { أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ }، أي: يُخْتَبرُونَ، وقرأ مجاهدٌ: «مَرْضَةً أَوْ مَرْضَتَيْنِ»، والذي يظهر مما قبل الآية، ومما بعدها أَنَّ الفتنة وٱلاختبار إِنما هي بكَشْفِ اللَّه أَسرارهم وإِفشائه عقائدهم؛ إِذ يعلمون أنَّ ذلك مِنْ عند اللَّه، وبهذا تقومُ الحُجَّة عليهم، وأما ٱلاختبار بالمَرَضِ فهو في المؤمنين.
وقوله سبحانه: { وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ }: المعنى: وإِذا ما أنزلَتْ سورةٌ فيها فضيحةُ أسرار المنافقين، { نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ }: أي: هلْ معكم مَنْ يَنْقُلُ عَنْكم، هَلْ يراكم من أحدٍ حين تدبِّرون أموركم، { ثُمَّ ٱنصَرَفُواْ } عَنْ طريق ٱلاهتداء؛ وذلك أنهم وقْتَ كشْف أسرارهم والإِعلام بمغيِّبات أمورهم، يقع لهم لا مَحَالة تَعَجُّب وتوقُّف ونَظَر، فلو أريد بهم خَيْرٌ، لكان ذلك الوَقْتُ مَظِنَّةَ ٱلاهتداءِ، وقد تقدَّم بيانُ قوله: { صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم } .