خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ
٤٣
-البقرة

اللباب في علوم الكتاب

أمرهم بالإيمان، ثم نهاهم عن لَبْس الحق بالباطل، وكِتْمَان دلائل النُّبوة، ثم ذكر بعد ذلك بيان ما لزمهم من الشّرائع، وذكر من جملته ما هو كالأصل فيها، وهو الصَّلاة التي هي أعظم العبادات البدنية، والزكاة التي هي أعظم العبادات المالية.
قوله: { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ } هذه الجُمْلَة وما بعدها عطف على الجملة قبلها عطف أمر على نهي.
وأصل "أقيموا": "أقْوِمُوا"، ففعل به ما فعل بـ
{ وَيُقِيمُونَ } [البقرة:3] وقد تقدم الكلام عليها وعلى "الصًّلاة"، وأصل "آتوا"ائْتِيُوا" بهمزتين مثل "أكْرِمُوا"، فقلبت الثانية ألفاً لسكونها بعد همزة مفتوحة، واستثقلت الضمة على الياء فحذفت، فالتقى ساكنان "الياء والواو"، فحذفت الياء؛ لأنها أول وحركت التاء بحركتها.
وقيل: بل ضمت تبعاً للواو، كما ضم آخر "اضربوا" ونحوه، ووزنه: "افعوا" بحذف اللام.
وألف "الزكاة" منقلبة عن واو، لقولهم: زَكَوَات، وزَكَا ـ يَزْكُو، وهي النحو.
وقيل: الطهارة.
وقيل: أصلها الثَّنَاء الجميل، ومنه: زكى القاضي الشُّهود، والزَّكَا: الزوج صار زوجاً بزيادة فرد آخر عليه، والخَسَا: الفرد، قال: [البسيط]

446ـ كَانُوا خَساً أَوْ زَكاً مِنْ دُونِ أرْبَعَةٍ لَمْ يَخْلَقُوا وَجُدُودُ النَّاسِ تعْتَلِجُ

قوله: { مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } منصوب بـ "ارْكَعُوا".
و "الركوع": الطّمأنينة والانْحِنَاء، ومنه قوله: [الطويل]

447ـ أُخَبِّرُ أخْبَارَ القُرُونِ الَّتِي مَضَتْ أَدِبُّ كَأَنِّي كُلَّمَا قُمْتُ رَاكِعُ

وقيل: الخضوع والذِّلَّة؛ ومنه: [المنسرح]

448ـ وَلاَ تُهِينَ الفَقِيرَ عَلَّكَ أنْ تَرْكَعَ يَوْماً والدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهْ

فصل في عدم تأخير البيان عن الحاجة
قال ابن الخطيب: القائلون بأنه لا يجوز تأخير بيان المجمل عن وقت الخطاب، قالوا: إنما جاء في قوله تعالى: { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ } بعد أن كان النَّبي ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ وصف لهم أركان الصَّلاة وشرائطها، فكأنه تعالى قال: وأقيموا الصلاة التي عرفتموها، والقائلون بجواز التأخير قالوا: يجوز أن يراد الأمر بالصَّلاة، وإن كانوا لا يعرفون أن الصَّلاة ما هي؟ ويكون المقصود أن يوطن السَّامع نفسه على الامتثال، وإن كان لا يعلم أن المأمور به، ما هو؟ كما يقول السيد لعبده: إني آمرك غداً بشيء فلا بد وأن تفعله، ويكون غرضه مه بأن يعزم العَبْدُ في الحال على أدائه في الوقت الثاني.
فصل في أن الكفار مخاطبون بفروع الشرع
قوله تعالى: { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ } خطاب مع اليهود، وذلك يدل على أن الكفار مخاطبون بفروع الإسلام.
فإن قيل: قوله: { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ } أمر بالصَّلاة، وقوله: { وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } أمر بالصّلاة أيضاً، فيكون تكراراً.
فالجواب: أن قوله: { وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } أي: صَلُّوا مع المصلِّين، ففي الأوّل أمر بإقامة الصَّلاة، وفي الثاني أمر بفعلها في الجماعة فلا تَكْرار.
وقيل: إن اليهود لا ركوع في صلواتهم، فخصّ الركوع بالذكر تحريضاً لهم على الإتيان بصلاة المسلمين.
وقيل: الركوع: الخضوع، فيكون نهياً عن الاستكبار المذموم.