خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ آيَةً أُخْرَىٰ
٢٢
لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ
٢٣
-طه

اللباب في علوم الكتاب

قوله: { وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ } لا بد هنا من حذف والتقدير: واضمم يَدَك تنضم وأخرجها تخرج، فحذف من الأول والثاني وأبقى مقابليهما ليدلان على ذلك إيجازاً واختصاراً وإنما احتيج إلى هذا، لأنه لا يترتب على مجرد الضم الخروج. وقوله: "بَيْضَاءَ" حال من فاعل تخرج.
قوله: { مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍٍ } يجوز أن يكون متعلقاً بـ "تَخْرُج" وأن يكون متعلقاً بـ "بَيْضَاءَ" لما فيها من معنى الفعل حو ابيضت من غير سوء. (ويجوز) أن يكون متعلقاً بمحذوف على أنه حال من الضمير في "بَيْضَاء".
وقوله: { مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍٍ } يسمى عند أهل البيان الاحتراس، وهو أن يؤتى بشيء يرفع توهم مَنْ يتوهم غير المراد، وذلك أن البياض قد يراد به البَرَص والبَهَق فأتى بقوله: { مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍٍ } نفياً لذلك.
قوله: "آيَةً" فيها أوجه:
أحدها: أن يكون حالاً، أعني أنها بدل من "بَيْضَاءَ" الواقعة حالاً.
الثاني: أنها حالٌ من الضمير في "بَيْضَاء".
الثالث: أنها حالٌ من (الضمير في) الجار والمجرور.
والرابع: أنها منصوبة بفعل محذوف، فقدره أبو البقاء: جعلنَاهَا آيَةً، (أو آتيناك) آيةً. وقدره الزمخشري: خُذْ آيَةً، وقدر أيضاً: دونك آيةً. ورد أبو حيان هذا، لأن ذلك من باب الإغراء، ولا يجوز إضمار الظروف في الإغراء. قال: لأن العامل حُذِف وناب هذا مكانه، فلا يجوز أن يحذف النائب أيضاً، وأيضاً فإن أحكامها تخالف العامل الصريح، فلا يجوز إضمارها وإن جاز إضمار الأفعال.
فصل
يقال لكل ناحيتين، جَنَاحان كجناحي العسكر لطرفيه، وجناحا الإنسان جانباه والأصل المستعار منه جناحا الطائر، لأنه يجنحها عند الطيران.
وجناحا الإنسان عَضُدَاه أي: اضمم يدَك إلى إبْطِكَ تخرج بيضاء نيرة مشرقة من غير سوء وعن ابن عباس: "إلى جَنَاحِكَ" أي إلى صدرك.
والأول أولى، لأن يدي الإنسان يشبهان جناحي الطائر، ولأنه قال: "تَخْرُج بَيْضَاءَ" ولو كان المراد بالجناح الصدر لم يكن لقوله "تَخْرُج" معنى. ومعنى ضم اليد إلى الجناح ما قاله في آية أخرى
{ { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ } [النمل:12]، لأنه إذا أدخل يده في جيبه كان كأنه قد ضم يده إلى جناحه.
والسوءُ: الرداءة والقبح في كل شيء، وكنّى عن البَرَص كما كنّى عن العورة بالسَّوْأَة، والبَرَص أبغضُ شيء إلى العرب، فكان جديراً بأن يُكْنَى عنه بالسُّوء، وكان عليه السلام شديد الأدمة فكان إذا أدخل يده اليمنى في جيبه، وأدخلها تحت إبطه الأيسر وأخرجها فكانت تبرق مثل البرق، وقيل: مثل الشمس، من غير برص، ثم إذا ردَّها عادت إلى لونها الأول.
"آيَةً أُخْرَى" دلالة على صدقك سوى العصا.
قوله: "لِنُريََكَ" متعلق بما دلَّت عليه "آيَةً" أي: دللنا بها لِنُريَكَ، أو بـ (جَعَلْنَاهَا)، أو بـ (آتَيْنَاكَ) المقدر. وقدره الزمخشري: لِنُريَكَ فِعْلَنا ذلك، وجوَّز الحوفي أن يتعلق بـ "اضْمُمْ". وجوَّز غيرُه أن يتعلق (بتَخْرُج). ولا يجوز أن يتعلق بلفظ آية، لأنها قد وصفت. وقدره الزمخشري أيضاً: لِنُريَكَ خُذْ هذه الآيةَ أيضاً.
قوله: { مِنْ آيَاتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ }.
يجوز أن يتعلق "مِنْ آيَاتِنَا" بمحذوف على أنه حال من "الكُبْرَى" ويكون "الكُبْرَى" على هذا مفعولاً ثانياً "لِنُريَكَ" والتقدير: "لِنُريَكَ الكُبْرَى" حال كونها من آياتنا، على هذا مفعولاً ثانياً "لِنُريَكَ" والتقدير: "لِنُريَكَ الكُبْرَى" حال كونها من آياتنا، أي: بعض آياتنا ويجوز أن يكون المفعول الثاني نفس "مِنْ آيَاتِنَا" فيتعلق بمحذوف أيضاً، و "الكُبْرَى" على هذه صفة لـ "آيَاتِنَا" ووصف الجمع المؤنث غير العاقل وصف الواحد على حد "مَآربَ أُخْرَى" و "الأَسْمَاءُ الحُسْنَى".
وهذان الوجهان قد نقلهما الزمخشري والحوفي (وأبو البقاء) واختار أبو حيَّان الثاني قال: لأنه يلزم من ذلك أن تكون آياته كلها هي الكبرى، لأن ما كان بعض الآيات الكُبَر صدق عليه آية الكبرى، لأنها هي المتصفة بأفْعَل التفضيل، وأيضاً إذا جُعِلت "الكبرى" مفعولاً فلا يمكن أن يكون صفة للعصا واليد معاً، إذ كان يلزم التثنية، ولا جائز أن يخصَّ أحدهما بالوصف دون الأخرى، لأن التفضيل في كل منهما.
فصل
قال المفسرون: قال: { لِنُرِيَكَ مِنْ ءَايَاتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ } ولم يقل: الكُبَر لرؤوس الآي. وقيل: فيه إضمار معناه: لِنُريَكَ من آياتنا الآية الكبرى ويدل عليه قول ابن عباس: كانت يد موسى أكبر آياته وهو قول الحسن قال: اليد أعظم في الإعجاز من العصا، فإنه جعل "الكُبْرَى" مفعولاً ثانياً لنريك وجعل ذلك (راجعاً للآية القريبة، وقد) ضُعِّفَ ذلك بأنه ليس في اليد إلا تغير اللون، (وأما العصا ففيها تغير اللون) وخلق الزيادة في الجسم وخلق الحياة والقدرة والأعضاء المختلفة، وابتلاع الشجر والحجر، ثم عادت عصا بعد ذلك، فقد وقع التغير مرة أخرى في كل هذه الأمور فكانت العصا أعظم.
وأما قوله: { لِنُرِيَكَ مِنْ ءَايَاتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ } فقد ثبت أنه عائد إلى الكلام، وأنه غير مختص باليد.