خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلِينَ
١٦٠
إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ
١٦١
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ
١٦٢
فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ
١٦٣
وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
١٦٤
أَتَأْتُونَ ٱلذُّكْرَانَ مِنَ ٱلْعَالَمِينَ
١٦٥
وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ
١٦٦
قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يٰلُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُخْرَجِينَ
١٦٧
قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِّنَ ٱلْقَالِينَ
١٦٨
رَبِّ نَّجِنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ
١٦٩
فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ
١٧٠
إِلاَّ عَجُوزاً فِي ٱلْغَابِرِينَ
١٧١
ثُمَّ دَمَّرْنَا ٱلآخَرِينَ
١٧٢
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ
١٧٣
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ
١٧٤
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ
١٧٥
-الشعراء

اللباب في علوم الكتاب

قوله تعالى: { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلِينَ } الآيات.
قوله: "مِنَ العالِمينَ". يحتمل عوده إلى الآتي، أي: أنتم من جملة العالمين مخصوصون بهذه الصفة، وهي إتيان الذكران. (ويحتمل عوده إلى المأتى، أي: أنتم اخترتم الذكران) من العالمين لا الإناث منهم.
قوله: "مِنْ أَزْوَاجِكُمْ". يصلح أن يكون تبييناً، وأن يكون للتبعيض، ويُراد بِمَا خلق العضو المباح منهن، وكانوا يفعلون مثل ذلك بنسائهم. { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ }. معتدون مجاوزون الحلال إلى الحرام، والعادي: المعتدي في ظلمه.
والمعنى: أتركبون هذه المعصية على عظمها { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } في جميع المعاصي { قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يٰلُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُخْرَجِينَ } أي: من جملة من أخرجناه من بلدنا، ولعلهم كانوا يخرجون من أخرجوه على أسوأ الأحوال.
قوله: "لِعَمَلِكُمْ" كقوله:
{ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } [الأعراف: 21] وقد تقدم. وقيل: "مِنَ القَالِينَ" صفة لخبر محذوف، هذا الجار متعلق به، أي: إني قال: { لِعَمَلِكُمْ مِّنَ ٱلْقَالِينَ } المبغضين. والقِلَى: البغض الشديد، كأنه بُغْضٌ يقلي الفؤاد والكبد. وقوله "مِنَ القَالِينَ" أبلغ من أن يقول: إني لعملكم قالٍ، كما تقول: فلان من العلماء، أبلغ من قولك: فلان عالم.
ويجوز أن يراد: من الكاملين في قِلاكم. (والقَالِي: المُبْغِضُ، يقال: قَلاَهُ يَقْلِيهِ قِلًى، وَيَقْلاَهُ، وهي شاذة، قال:

3920 - وَتَـرْمِينَنِـي بالطَّـرْفِ أَيْ أَنْـتَ مُذْنِـبٌ وَتقْلِينَنِـي لكِـنَّ إيَّـاكِ لاَ أقْلِــي

وقال آخر:

3921 - والله مَـا فَارَقْتكُـمْ عَـنْ قِلًـى لكـم وَلكـنَّ مَـا يُقْضَـى فَسَـوْفَ يَكُـونُ

واسم المفعول فيه: "مَقْلِيّ" والأصل: "مَقْلُويٌّ" فأدغم كـ "مَرْمِيٍّ" قال:

3922 - وَلَسْـتُ بِمَقْلـيِّ الخِـلاَلِ ولاَ قَالِــي

وغلط بعضهم فجعل ذلك من قولهم: قَلَى اللَّحْمَ، أي شَوَاهُ، فكأنه قلى كبده بالبغض ووجه الغلط أن هذا من ذوات الياء, وذاك من ذوات الواو.
يقال: قَلَى اللحمِ يَقْلُوه قَلْواً، فهو قال كَغَازٍ، و "مَقْلُوّ" كما تقدم)، ثم دعا فقال: { رَبِّ نَّجِنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ } من العمل الخبيث.
قال الله تعالى: "فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ" من عقوبة عملهم { إِلاَّ عَجُوزاً فِي ٱلْغَابِرِينَ } وهي امرأة لوط، بقيت في الهلاك والعذاب، فإنْ قيل: "فِي الغَابِرينَ" صفة لها، كأنه قيل: إلاَّ عَجُوزاً (غابرة، وإن لم يكن الغبور صفتها وقت تنجيتهم؟ فالجواب: معناه: إلاَّ عجوزاً) مقدراً غبورها. قيل: إنما هلكت مع من خرج من القرية بما أمطر من الحجارة. { ثُمَّ دَمَّرْنَا ٱلآخَرِينَ } أي: أهلكناهم { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ } والمخصوص بالذم محذوف، أي: (مَطَرُهُمْ) قال وهب بن منبه: الكبريت والنار. { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }.
فصل
قال القاضي عبد الجبار في تفسير قوله: { وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ } دليل على بطلان الجبر من وجوه:
الأول: أنه لا يقال: "تَذَرُونَ" إلاَّ مع القدرة على خلافه، ولذلك لا يقال للمرء: لم تذر الصعود إلى السماء، كما يقال: لم تذر (الدخول و) الخروج.
الثاني: أنه قال: { مَا خَلَقَ لَكُمْ } ولو كان الفعل لله تعالى لكان الذي خلقه لهم ما خلقه فيهم وأوجبه لا ما لم يفعلوه.
الثالث: قوله تعالى: { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } فإن كان تعالى خلق فيهم ما كانوا يعملون، فكيف ينسبون إلى أنهم تعدوا؟ وهل يقال للأسود: إنك متعد في لونك؟ وأجيب بأن حاصل هذه الوجوه يرجع إلى أن العبد لو لم يكن موجداً لأفعال نفسه لما توجه المدح والذم والأمر والنهي عليه، (وليس لهذه) الآية في هذا المعنى خاصية أزيد مما ورد من الأمر والنهي والمدح والذم في قصة إبراهيم وموسى ونوح وسائر القصص، فكيف خَصَّ هذه القصة بهذه الوجوه دون سائِر القصص. وإذا ثبت أن هذه الوجوه هي ذلك الوجه المشهور فالجواب عنها هما الجوابان المشهوران:
الأول: أنَّ اللَّهَ تعالى لمّا علم وقوع هذه الأشياء فعدمها محال، لأَنّ عدمها يستلزم انقلاب العلم جهلاً، وهو محال، والمفضي إلى المحال محال، وإن كان عدمها محالاً كان التكليف بالترك تكليفاً بالمحال.
الثاني: أنَّ القادر لما كان قادراً على الضدين امتنع أن يرجح أحد المقدورين على الآخر لا لمرجح، والمرجح: هو الداعي والإرادة، وذلك المرجح مرجح محدث، فله مؤثر، وذلك المؤثر إن كان هو العبد لزم التسلسل، وهو محال، وإن كان هو الله تعالى فذاك الجبر على قولك، فثبت بهذين البرهانين القاطعين سقوط ما قاله.