خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ
٨٩
وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٩٠
-النمل

اللباب في علوم الكتاب

قوله: { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا } في "خَيْر" وجهان:
أحدهما: أنها للتفصيل باعتبار زعمهم، أو على حذف مضاف، أي: خير من قدرها واستحقاقها "مِنْهَا" في محل نصب، وألا يكون للتفصيل، فيكون (مِنْهَا) في موضع رفع صفة لها. قوله { وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ } قرأ أهل الكوفة "مِنْ فَزَع" بالتنوين، "يَوْمَئِذٍ" بفتح الميم، وقرأ الآخرون بالإضافة، لأنه أعم فإنه يقتضي الأمن من جميع فزع ذلك اليوم وبالتنوين كأنه فزع دون فزع، ويفتح أهل المدينة الميم من "يومَئذ" وتقدم في هود فتح "يَوْم" وجره و "إِذْ" مضافة للجملة حذفت وعوض عنها التنوين، والأحسن أن تقدر يومئذ جاء بالحسنة، وقيل: يومئذ ترى الجبال، وقيل: يومئذ ينفخ في الصور، والأولى أولى، لقرب ما قدر منه.
فصل
لما تكلم في علامات القيامة شرح - بعد ذلك - أحوال المكلفين بعد قيام القيامة والمكلف إما أن يكوم مطيعاً أو عاصياً، أما (المطيع، فهو) الذي جاء بالحسنة وهي كلمة الإخلاص قال أبو معشر يحلف ما استثنى: إنّ الحسنة لا إله إلا الله وقيل: كل طاعة. { فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا }، قال ابن عباس: يعني له من تلك الحسنة خير يوم القيامة، وهو: الأمن من العذاب، أما أن يكون له شيء خير من الإيمان، فإنه ليس شيء خيراً من قوله لا إله إلا الله، وقيل: خير منها يعني رضوان الله، قال تعالى:
{ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } [التوبة: 72]، وقال محمد بن كعب وعبد الرحمن بن زيد: خير منها يعني الأضعاف، أعطاه الله بالواحدة عشراً، فصاعداً، وهذا حسن، لأن للأضعاف خصائص وقيل: إن الثواب خير من العمل، لأن الثواب دائم والعمل منقض، ولأن العمل فعل العبد، والثواب فعل الله. { وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ } أي: آمنون من كل فزع، فإن قيل: أليس قال - في أول الآية - { فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضَ } [النمل: 87]؟ فكيف نفى الفزع هاهنا؟ فالجواب: أن الفزع الأول ما لا يخلو منه أحد عند الإحساس بشدة تقع أو هول يفجأ، وإن كان المحسن يأمن وصول ذلك الضرر إليه، وأما الثاني: فهو الخوف من العذاب.
وأما من قرأ "مِنْ فَزَع" بالتنوين، فهو محتمل معنيين: من فزع واحد، وهو خوف العذاب، وإما ما يلحق الإنسان من الرعب عند مشاهدته، فلا ينفك عنه أحد. فإن قيل: الحسنة لفظة مفردة معرفة، وقد ثبت أنها لا تفيد العموم، بل يكفي في تحققها حصول فرد من أفرادها، وإذا كان كذلك فلنحملها على أكمل الحسنات شأناً، وأعلاها درجة وهو الإيمان، ولهذا قال ابن عباس: الحسنة كلمة الشهادة، وهذا يوجب القطع بأنه لا يعاقب أهل الإيمان، فالجواب: ذلك الخير هو أن لا يكون عقابه مخلداً. و"أمن" يتعدى بالجار وبنفسه، كقوله تعالى:
{ أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ } [الأعراف: 99].
قوله: { وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ } يعني الإشراك { فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ }، يجوز أن يكون ذكر الوجه إيذاناً بأنهم يكبون على وجوههم فيها منكبين، يقال: كببت الرجل إذا ألقيته على وجهه فأكب وانكب.
قوله: "هَلْ تُجْزُوْنَ" على إضمار قول، وهذا القول حال مما قبله، أي كُبَّتْ وجوههم مقولاً لهم ذلك القول.