خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ
٧
فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ
٨
وَقَالَتِ ٱمْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ
٩
-القصص

اللباب في علوم الكتاب

قوله: { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ } وحي إلهام لا وحي نبوة، قال قتادة: قذفنا في قلبها، واسمها يوخابز، وقيل أيادخا، وقيل أيارخت قاله ابن كثير، بنت لاوي بن يعقوب، "أَنْ أَرْضِعِيْهِ" قيل: أرضعته ثمانية أشهر، وقيل أربعة أشهر، وقيل ثلاثة أشهر، كانت ترضعه في حجرها وهو لا يبكي ولا يتحرك. { فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ } يعني من الذبح، { فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ }، واليم البحر وأراد هنا النيل، { وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ } قيل: ولا تخافي عليه من الغرق وقيل: من الضيعة، "ولا تحزني" على فراقه، فـ { إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ } لتكوني أنت المرضعة { وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } إلى أهل مصر والشام. قال المفسرون: إنها لما خافت عليه من الذبح، وضعته في تابوت، وألقته في النيل ليلاً. قال ابن كثير: وقيل إنها ربطت التابوت في حبل وكانت دارها على حافة النيل، فكانت ترضعه، فإذا خشيت من أحد وضعته في ذلك التابوت، وأرسلته في البحر، وأمسكت طرف الحبل عندها، فإذا ذهبوا استرجعته إليها، وكان لفرعونَ قوابل معهم رجال يطوفون على الحوامل، فمن وضعت ذكراً ذبحوه، فأرسلت أم موسى التابوت يوماً. وذهلت عن ربطه فذهب مع النيل. وقال ابن عباس وغيره: وكان لفرعون يومئذ بنت لم يكن له ولد غيرها، وكانت من أكرم الناس عليه، وكان بها برص شديد، فقال له الأطباء: أيها الملك إنها لا تبرأ إلا من قبل البحر يؤخذ منه شبه الإنس، فيؤخذ من من ريقه فيلطخ به برصها، فتبرأ من ذلك، وذلك يوم كذا وساعة كذا من شهر كذا حين تشرق الشمس، فلما كان ذلك اليوم غدا فرعون من مجلس له كان على شفير النيل، ومعه آسية بنت مزاحم بن عبيد بن الريان بن الوليد الذي كان فرعون مصر في زمن يوسف الصديق، وهي امرأة فرعون.
وقيل: كانت من بني إسرائيل من سبط موسى، وقيل: كانت عمته؛ حكاه السهيلي؛ وأقبلت بنت فرعون في جواريها حتى جلست على شاطىء النيل، إذ أقبل النيل بتابوت تضربه الأمواج، فتعلق بشجرة، فقال فرعون: ائتوني به، فابتدروا بالسفن من كل جانب فوضعوه بين يديه، فعالجوا فتحه، فلم يقدروا عليه، فنظرت آسية فرأت نوراً في جوف التابوت ولم يره غيرها, فعالجته ففتحته، فإذا هو بصبي صغير في مهده، وإذا نور بين عينيه، فألقى الله محبته في قلوب القوم، وعمدت ابنة فرعون إلى ريقه، فلطخت به برصها، فبرأت، فقالت الغواة من قوم فرعون: إنَّا نظن أن هذا هو الذي نحذر منه، رُمِيَ في البحر فرقاً منك فاقتله، فهمّ فرعون بقتله، فاستوهبته امرأة فرعون فترك قتله.
وقوله: { فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ } أي: جواريه.
قوله: "لِيَكُونَ" في اللام الوجهان المشهوران: العلية المجازية بمعنى أن ذلك لما كانت نتيجة فعلهم وثمرته شبه بالداعي الذي يفعله الفاعل الفعل لأجله، أو الصيرورة.
قووله: "وَحَزَناً" قرأ العامة بفتح الحاء والزاي، وهي لغة قريش، والأخوان بضم وسكون وهما لغتان بمعنى واحد كالعَدَمَ والعُدْمِ: { إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ } العامة على الهمز، مأخوذٌ من الخطأ ضد الصواب، وقراء بياء دون هَمْزٍ، فاحتمل أن يكون كالأول، ولكن خُفِّفَ، وأن يكون من خَطَا يَخْطُوا أي: تَجاوز الصَّوابَ.
قوله: { قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ } فيه وجهان:
أظهرهما: أنه خبر مبتدأ مضمر، أي: هُو قُرَّة عينٍ.
الثاني - وهو بعيد جداً - أن يكون مبتدأ والخبر "لاَ تَقْتُلُوهُ". وكان هذا القائل حقه أن لا يُذكِّر، فيقول: "لاَ تَقْتُلُوها"، إلا أنه لما كان المراد مذكر ساغ ذلك، والعامة من القراء والمفسرين وأهل العلم يقفون على "ولَكَ". ونقل ابن الأنباري بسنده إلى ابن عباس عنه أنه وقف على "لاَ" أي: هو "قُرَّةُ عَيْنٍ لِي" فقط، "وَلَكَ لاَ"، أي: ليس هو لك قرة عين، ثم يبتدىء بقوله "تَقْتُلُوه"، وهذا لا ينبغي أن يصحَّ عنه، وكيف يبقى "تَقْتُلُوه" من غير نون رفع، ولا مُقْتَضى لحذفها؟ ولذلك قال الفراء: هو لحن.
قوله: { عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً }. كانت لا تلد, فاستوهبت موسى من فرعون، فوهبه لها، وقال فرعون: أَمَّا أنا فلا حاجة لي به، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"لو قال يومئذ قرة عين لي كما هو لَكِ، لهداه الله كما هداها" وقال لآسية سميه، قالت: سميته موسى لأنا وجدناه في الماء والشجر، (فَمُو هو الماء، و (شا) هو البحر، فذلك قوله: { فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ }. والالتقاط: هو وجود الشيء).
قوله: { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } جملة حالية، وهل هي من كلام الباري تعالى وهو الظاهر، أو من كلام امرأة فرعون؟ كأنها لما رأت ملأه أشاروا بقتله، قالت له كذا؛ أي: افعل أنت ما أقول لك وقومك لا يشعرون أنا التقطناه - قاله الكلبي، وجعل الزمخشري الجملة من قوله: { وَقَالَتِ ٱمْرَأَةُ فِرْعَوْنَ } معطوفة على "فَالتَقَطَهُ" والجملة من قوله: { إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ } إلى "خَاطِئِينَ" مُعترضة بين المتعاطفين، وجعل متعلق الشعور من جنس الجملة المعترضة أي: لا يشعرون أنهم على خطأ في التقاطه، أو أن هلاكهم على يديه، قال أبو حيان: ومتى أمكن حَمْلُ الكلام على ظاهره من غير فصل كان أحسن.