خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَ ٱللَّهِ كَمَن بَآءَ بِسَخَطٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ
١٦٢
-آل عمران

اللباب في علوم الكتاب

لما قال - في الآية الأولى -: { { ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ } [آل عمران:161] أتبعه بتفصيل هذه الجملة، فقال: { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَ ٱللَّهِ } والكلام [في] مثله قد تقدم من أن الفاء النية بها التقديم على الهمزة، وأن مذهب الزمخشريِّ تقدير فعل بينهما.
قال أبو حيّان: وتقديره - في هذا التركيب - متكلِّف جدًّا.
والذي يظهر من التقديرات: أجعل لكم تمييزاً بين الضالِّ والمهتدي، فمن اتبع رضوان الله واهتدَى ليس كمَنْ باء بسخَطِه؛ وغل؛ لأن الاستفهام - هنا - للنفي.
و "مَنْ" - هنا - موصولة بمعنى الذي في محل بالابتداء، والجار والمجرور الخبر، قال أبو البقاء: "ولا يجوز أن يكون شَرْطاً؛ لأن "كَمَنْ" لا يصلح أن يكون جواباً". يعني: لأنه كان يجب اقترانه بالفاء؛ لأن المعنى يأباه. و "بِسَخَطٍ" يجوز أن يتعلق بنفس الفعل، أي: رجع بسخطه، ويجوز أن يكون حالاً، فيتعلق بمحذوف، أي رجع مصاحباً لسخطه، أو ملتبساً به، و { مِّنَ ٱللَّهِ } صفته.
والسَّخَط: الغضبُ الشديدُ، ويقال: سَخَط - بفتحتين - وهو مصدر قياسي، ويقال: سُخْط - بضم السين، وسكون الخاء - وهو غير مقيس. ويقال: هو سُخْطةُ الملك - بالتاء - أي في كرهه منه له.
وقرأ عاصم - في إحدى الروايتين عنه - رُضْوان - بضم الراء - والباقون بكسرها، وهما مصدران، فالضم كالكُفْران، والكسر كالحِسْبان.
فصل
{ أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ } الهمزة فيه للإنكارِ، والفاء، للعطف على محذوف، والتقدير: أفمن اتقى فاتبع رضوان الله وقوله: "بَاءَ" أي: رجع، وقد تقدم.
واختلف المفسّرون، فقال الكلبيُّ والضحَّاك: { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَ ٱللَّهِ } في ترك الغلول { كَمَن بَآءَ بِسَخْطٍ مِّنَ ٱللَّهِ } في فِعْل الغُلول؟.
وقيل: { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَ ٱللَّهِ } بالإيمان به والعمل بطاعة { كَمَن بَآءَ بِسَخْطٍ مِّنَ ٱللَّهِ } بالكفر به والاشتغال بمعصيته؟ وقيل: { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَ ٱللَّهِ } وهم المهاجرون { كَمَن بَآءَ بِسَخْطٍ مِّنَ ٱللَّهِ } وهم المنافقون؟.
وقال الزَّجَّاجُ: لما حمل المشركون على المسلمين دَعَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى أن يَحْملوا على المشركين، ففعله بعضهم، وتركه آخرونَ، فقوله: { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَ ٱللَّهِ } وهم الذين امتثلوا أمره { كَمَن بَآءَ بِسَخْطٍ مِّنَ ٱللَّهِ } وهم الذين لم يقبلوا قَوْلَه؟
قال القاضي: كُلُّ وَاحِدٍ من هذه الوجوهِ صحيحٌ، ولكن لا يجوز قصر اللفظ عليه؛ لأن اللفظ عام؛ فيجب أن يتناول الكُلُّ، وإن كانت الآيةُ نزلت في واقعة معينة لكن عمومَ اللفظِ لا يُبْطَلُ بِخُصوصِ السبب.
وقوله: { وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ } في هذه الجملة احتمالان:
أحدهما: أن تكون مستأنفة، أخبر أن مَنْ بَاءَ بِسَخَطه أوَى إلى جهنمَ، وتفهم منه مقابله، وهو أن من اتّبع الرضوانَ كان مأواه الجنة، وإنما سكت عن هذا، ونص على ذلك ليكون أبلغ في الزَّجْر، ولا بد من حذف في هذه الجُمَلِ، تقديره: أفمن أتبع ما يؤول به إلى رضا الله فباء برضاه كمن اتبع ما يؤول به إلى سخطه؟
الثاني: أنها داخلة في حَيِّز الموصول، فتكون معطوفة على "بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ الله" فيكون قد وصل الموصول بجملتين: اسمية وفعلية، وعلى الاحتمالين، لا محلَّ لها من الإعراب.
قوله: { وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } المخصوص بالذم محذوف، أي وبئس المصيرُ جهنمُ.
واشتملت الآية على الطباق في قوله: { يَنصُرْكُمُ } و { يَخْذُلْكُمْ } وقوله: { رِضْوَانَ ٱللَّهِ } و "بسخطه" والتجنيس المماثل في قوله: { يَغُلَّ } و { بِمَا غَلَّ }.