خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ
١٦٨
-آل عمران

اللباب في علوم الكتاب

جوَّزوا في موضع "الذين" الألقاب الثلاثة: الرفع والنصب والجر، فالرفعُ من ثلاثةِ أوجهٍ:
أحدها: أن يكون مرفوعاً على خبر مبتدأ محذوفٍ، تقديره: هم الذين.
ثانيها: أنه بدل من واو "يكتمون".
ثالثها: أنه مبتدأ، والخبر قوله: "قل فادْرءوا" ولا بُدَّ من حذف عائدٍ، تقديره: قُلْ لَهُمْ.
والنصبُ من ثلاثة أوجه - أيضاً -:
أحدها: النصبُ على الذَّم، أي: أذم الذين قالوا.
ثانيها: أنه بدل من "الذين نافقوا".
ثالثها: أنه صفة.
والجر من وجهينِ: البدل من الضمير في "بأفواهم" أو من الضمير في "قلوبهم" كقول الفرزدق: [الطويل]

1687- عَلَى حَالَةٍ لَوْ أنَّ فِي الْقَوْمِ حَاتِماً عَلَى جُودِهِ لَضَنَّ بِالْمَاءِ حَاتِمِ

بجر "حاتم" على أنه بدل من الهاء في "جوده" - وقد تقدم الخلافُ في هذه المسألةِ وقال أبو حيان: وجوَّزوا في إعراب "الذين" وُجُوهاً:
الرفع، على النعت لـ "الذين نافقوا" أو على أنه خبر لمبتدأ محذوف والنصب... فذكره إلى آخره.
قال شهابُ الدينِ: وهذا عجيبٌ منه؛ لأنَّ "الذين نافقوا" منصوب بقوله: "وليعلم" وهم - في الحقيقة - عطف على "المؤمنين" وإنَّمَا كرر العاملَ توكيداً، والشيخُ لا يخفَى عليه ما هو أشكلُ من هذا فيحتمل أن يكون تبع غيرَه في هذا السهو - وهو الظاهر من كلامه - ولم ينظر في الآية، اتكالاً على ما رآه منقولاً، وكثيراً ما يقع الناس فيه، وأن يُعْتَقَدَ أنّ "الذين" فاعل بقوله: "وليعلم" أي: فعل الله ذلك ليعلم هو المؤمنين، وليعلم المنافقون، ولكن مثل هذا لا ينبغي أن يجوز ألبتة.
قوله: "وقعدوا" يجوز في هذه الجملة وجهانِ:
أحدهما: أن تكون حالية من فاعل "قالوا" و "قد" مرادة أي: وقد قعدوا، ومجيء الماضي حالاً بالواو و "قد" أو بأحدهما، أو بدونهما، ثابتٌ من لسان العربِ.
الثاني: أنها معطوفة على الصلة، فتكون معترضة بين "قالوا" ومعمولها، وهو "لو أطاعونا".
فصل في المراد بـ "الذين"
قال المفسّرون المراد بـ "الذين" عبدُ بنُ أبَيٍّ وأصحابُهُ. وقال الأصَم: هذا لا يجوزُ؛ لأن عبد الله بن أبي خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجهادِ يوم أحُدٍ، وهذا القول واقع ممن تخلَّف، لأنه قال: { ٱلَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا } أي في القعود "ما قتلوا" فهو كلامُ متأخرٍ عن الجهاد قاله لمن خرج إلى الجهادِ ولمن هو قوي النية في ذلك؛ ليجعله شُبْهَةً فيما بعد، صارفاً لهم عن الجهاد.
وهذا فيه نظرٌ؛ لأنه يحتمل أنه أراد بقوله: "وقعدوا" القعود عن القتالِ، لا عن الخروج إلى القتال؛ فإن عبد الله بن أبَيّ خَرَجَ إلى الْقِتَالِ، ولم يُقَاتِل، بل هَرَبَ بمن معه، ويُطْلَق عليه أنه قَعَد عن القتال وهو القائلُ هذا الكلام.
وقوله: { لإِخْوَانِهِمْ } أي: لأجل إخوانهم - وقد تقدم: هل المرادُ - من هذه الأخوة - الأخوة في النسب، أو الأخوة بسبب المشاركة في الدَّارِ، أو في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم أو في عبادة الأوثان؟
قوله: { قُلْ فَادْرَءُوا } ادفعوا { عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } ذكر ذلك على سبيل الجوابِ لقولهم: { لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا }.
فإن قيل: ما وجه هذا الاستدلالِ مع أن الفرقَ ظاهرٌ؛ فإن التحرُّز عن القتل ممكن، وأما التحرزُ عن الموتِ فغير ممكن ألبته؟
فالجوابُ: أن هذا الدليلَ لا يتمشى إلا إذا قلنا: إنّ الكُلَّ بقضاء الله وقَدَرِه، فحينئذٍ لا يبقى بين القتلِ وبين الموتِ فرق، فيصح الاستدلالُ، أما إذا قلنا: بأن فعل العبد ليس بتقدير الله وقضائه، كان الفرق بين القتل والموتِ ظاهراً.
وقوله: { إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أي: في كونكم مشتغلين بالحذر عن المكاره، والوصول إلى المطالب.