خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ
٢٩
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٣٠
مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ
٣١
مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ
٣٢
-الروم

اللباب في علوم الكتاب

قوله: { بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ } أي لا يجوز أن يشرك مالك ممولكه ولكن الذين ظلموا أي أشركوا اتبعوا أهواءهم في الشرك { مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ } أي من غير دليل جهلاً بما يجب عليهم، ثم بين أن ذلك بإرادة الله بقوله: { فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ } أي هَؤلاء أَضَلَّهم الله فلا هاديَ لهم فلا يحزنْك قَوْلُهُمْ ثم قال: { وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } مانعين يمنعونهم من عذاب الله - عز وجل -.
قوله تعالى: { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً } أي أخلص دينك لله قال سعيد بن جبير: وإقامة الوجه إقامة الدين. وقال غيره: سَدِّدُ عملَكَ. والوجه ما يتوجه إليه، وقيل: أقبل بكُلِّكَ على الدين. عبر عن الذات بالوجه كقوله تعالى:
{ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } [القصص: 88] أي ذاته بصفاته.
قوله: "حَنِيفاً" حال من فاعل "أقم" أو من مفعوله، أو من "الدِّين" ومعنى حنيفاً مائلاً إليه مستقيماً عليه، ومِلْ عن كل شيء لا يكون في قلبك شيء آخر، وهذا قريب من معنى قوله:
{ { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [القصص: 87].
قوله: "فِطْرَةَ اللَّهِ" فيه وجهان:
أحدهما: أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة كقوله:
{ صِبْغَةَ ٱللَّهِ } [البقرة: 138] و { صُنْعَ ٱللَّهِ } [النمل: 88].
والثاني: أنه منصوب بإضمار فعل. قال الزمخشري: وإنما أضمره على خطاب الجماعة لقوله: "مُنِيبِينَ إِلَيْهِ" وهو حال من الضمير في "الْزَمُوا".
وقوله: { واتَّقُوهُ وأَقِيمُوا... وَلاَ تَكُونُوا } معطوف على هذا المضمر، ثم قال: "أو عليكم فطرةَ الله" ورد أبو حيان بأن كلمة الإغراء لا تضمر، إذ هي عِوَضٌ عن الفعل فلو حذفها لزم حذف العِوَضِ والمُعَوَّضِ عنه وهو إجحاف. قال شهاب الدين: هذا رأي البصريين وأما الكسائي وأتباعه فيجيزون ذلك.
فصل
ومعنى فطرة الله: دين الله وهو التوحيد فإن الله فطر الناس عليه حيث أخرجهم من ظهر آدم وسألهم:
{ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } [الأعراف: 172] وقال عليه السلام "مَا مِنْ مَوْلُودِ إِلاَّ وَهُوَ يُولَدُ عَلى الفِطْرَةِ وَإِنَّمَا أَبَواهُ يُهَوِّدانِهِ ويُنَصِّرانه ويمجّسانه" فقوله: "على الفطرة"، يعني على العهد الذي أخذه عليهم بقوله: { { أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } [الأعراف: 172] وكل مولود في العالم على ذلك الإقرار وهي الفطرة التي وقع الخلق عليها وإن عبد غيره قال الله تعالى: { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [الزخرف: 87] { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [الزمر: 3] ولكن لا عبرة بالإيمان الفِطْريِّ في أحكام الدنيا، وإنما يعتبر الإيمان الشرعُ المأمور به، وهذا قول ابن عباس وجماعة من المفسرين. وقيل: الآية مخصوصة بالمؤمنين وهم الذين فطرهم الله على الإسلام، روي عن عبد الله بن المبارك قال معنى الحديث: إن كل مولود يولد على فِطرته أي على خلقته التي جُبِلَ عليها في علم الله تعالى من السعادة والشقاوة فكل منهم صائر في العاقبة إلى ما فطر عليها وعامل في الدنيا بالعمل المشاكل لها فمن أمارات الشقاء أن يُولَد بين يَهْودِيَّيْنِ أو نَصْرَانِيِّيْنِ فيحملانه لشقائه على اعتقاده دينهما، وقيل: معنى الحديث أن كل مولود في مَبْدأ الخلقة على الفطرة أي على الجبلّة السليمة والطبع المنهيّ لقبول الدين، فلو ترك عليها لاستمر على لزومها؛ لأن هذا الدين موجود حُسْنُهُ في العقول، وإنما يَعْدِلُ عنه من يَعْدِلُ إلى غيره لآفة من النُّشوءِ والتقليد فمن يَسْلَمْ من تلك الآفات لم يعتقد غيره، ذكر هذه المعاني أبو سليمان الخَطَّابيُّ في كتابه.
قوله: { لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ } فمن حمل الفِطرة على الدين قال معناه: لا تبديل لدين الله، فهو خبر بمعنى النهي، أي لا تُبَدِّلُوا التوحيد بالشرك. وقيل: هذا تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقال عكرمة ومجاهد: معناه تحريم إخصاء البهائم، ثم قال: { ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } المستقيم الذي لا عوج فيه { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أن ذلكَ هُوَ الدينُ المستقيمُ.
قوله: "مُنِيبِينَ" حال من فاعل "الْزمُوا" المضمر كما تقدم، أو من فاعل "أَقِمْ" على المعنى لأنه ليس يراد به واحدُ بعينه، وإنما المراد الجميع، وقيل: حال من "النَّاسِ" إِذَا أريد بهم المؤمنون، وقال الزجاج بعد قوله: "وَجْهَكَ" معطوف تقديره "فَأَقِمْ وَجْهَكَ وأُمَّتَكَ" فالحال من الجميع، وَجَازَ حذف المعطوف لدلالة "مُنِيبِينَ" عليه، كما جاز حذفه في قوله: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ } أي والناسُ لدلالة: "إِذَا طَلَّقْتُمْ" عليه، كذا زعم الزجاج، في
{ يۤا أَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ } [الطلاق: 1] وقيل: على خبر كان، أي كُونُوا مُنِيبِينَ، لدلالة قَوْلِهِ: "وَلاَ تَكُونُوا".
فصل
معنى منيبين إليه أي مُقْبِلِينَ عليه بالتوبة والطاعة، "وَاتَّقُوهُ" إي إِذَا أقبلتم عليه، وتركتم الدنيا، فلا تأمنوا فتتركوا عبادته بل خافوه وداوموا على العبادة "وأَقِيمُوا الصَّلاَةَ" ولا تَكُونُوا مِنَ المشركِينَ؛ بإِعادة العامل. وتقدم قراءتا "فَرَّقُوا، وَفَارَقُوا" وتفسير "الشِّيَعِ" أيضاً. قوله: "فَرِحُونَ" الظاهر أنه خبر عن "كل حزب"؛ وجوز الزمخشري أن يرتفع صفة "لكُلّ" قال: ويجوز أن يكون "من الذين" منقطعاً مما قبله ومعناه من المفارقين دينهم كل حزب فَرِحينَ بما لديهم، ولكنه رفع "فَرِحِين" وصفاً لكل كقوله:

4042 - وَكُلُّ خَلِيلٍ غَيْرُ هَاضِمِ نَفْسِهِ .............................

قال أبو حيان: قدر أولاً "فَرِحِينَ" مجروراً صفة "لِرَجُلٍ" وهو الأكثر كقوله:

4043 - جَادَتْ عَلَيْهِ كُلُّ عَيْنٍ ثَرَّةٍ فَتَرَكْنَ كُلَّ حَدِيقَةٍ كَالدِّرْهَمِ

وجاز الرفع نعتاً "لكُلّ" كقوله:

4044 - وَلِهَتْ عَلَيْهِ كُلُّ مُعْصِفَةٍ هَوْجَاءُ لَيْسَ لِلُبِّهَا زَبْرُ

وهو تقدير حسن.