خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ ٱلنَّعِيمِ
٨
خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٩
خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ
١٠
هَـٰذَا خَلْقُ ٱللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ ٱلظَّالِمُونَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
١١
-لقمان

اللباب في علوم الكتاب

قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ... } الآية لما بين حال المُعْرِضِ عن سماع الآيات بين حال من يقبل على تلك الآيات بأنَّ لهم جناتِ النعيم. ولذلك عذاب مهين ووحد العذاب، وجمع الجنات إشارة إلى أن الرحمة (واسعة أكثر من الغضب، ونكّر "العذاب" وعرف "الجنات" إشارة إلى أن الرحمة) تبين النعمة وتعرفها ولم يبين النعمة وإنما نبه عليها تنبيهاً.
قوله: "خَالِدِينَ" حال، وخبر "إِنَّ" الجملة من قوله: "لَهُمْ جَنَّاتٌ" والأحسن أن يجعل "لَهُمْ" هو الخبر وحده، و "جَنَّاتٌ" فاعل به، وقرأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ "خالدُونَ" بالواو فيجوز أن يكون هو الخبر والجملة أو الجارّ وحده حال، ويجوز أن يكون ("خالدون") خبراً ثانياً.
قوله: "وَعْدَ اللَّهِ" مصدر مؤكد لنفسه؛ لأن قوله: "لَهُمْ جَنَّاتٌ" في معنى وَعَدَهُم اللَّهُ ذَلِكَ، و "حَقّاً" مصدر مؤكد لغيره، أي لمضمون تلك الجملة الأولى، وعاملها مختلف، فتقدير الأولى وعد الله ذلك وعداً، وتقدير الثاني: أُحِقُّ ذلك حَقّاً، واعلم أنه لم يؤكد "العَذَاب المُهِين", وأكد نعيم الجنات بقوله: { وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } "العزيز" في اقتداره "الحكيم" في أفعاله.
قوله: { خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ } وهذا تبيين لقوّته وحكمته، وقد تقدم الكلام على نظيرها في الوعد. واعلم أن أكثر المفسرين قال: إن السموات مبسوطةً كصُحُفٍ مستوية لقوله تعالى:
{ يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ } [الأنبياء: 104]. وقال بعضهم: إنها مستديرة وهو قول (جميع) المهندسين والغزاليُّ -رحمه الله - قال ونحن نوافقهم على ذلك فإن لهم عليها دليلاً من المحسوسات ومخالفة الحسّ لا يجوز وإن كان في الباب خبر نؤوله بما يحتمله فضلاً من (أن) ليس في القرآن والخبر مما يدل على ذلك صريحاً بل ما يدل عليه الاستدارة كقوله تعالى: { كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [الأنبياء: 33] "والفلك" اسم لشيء مستدير بل الواجب ان يقال: إن السماء سواء كانت مستديرةً أو صفحةً مستقيمة هو مخلوق بقدر الله لا بإيجاب وطبع (وتقدم) الكلام على نظير الآية إلى قوله: "كَرِيم". والكريم الحسن، أو ذي كرم لأنه يأتي كثيراً من غير حساب أو مُكْرِم مثل نَقِيصٍ للمُنْقِص.
قوله: { هَـٰذَا خَلْقُ ٱللَّهِ } يعني هذا الذي ذكرت مما يُعَايِنُونَ خلق الله { فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ } من آلهتكم التي تعبدونها وتقدم "ماذا" الاستفهام في البقرة. { بَلِ ٱلظَّالِمُونَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أي بين، أو مبين للعاقل أنه ضلال، والمراد بالظالمين المشركين الواضعين العبادة في غير موضعها.