خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ
١٥
إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ
١٦
وَمَا ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ
١٧
وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ
١٨
وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ
١٩
وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ
٢٠
وَلاَ ٱلظِّلُّ وَلاَ ٱلْحَرُورُ
٢١
وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَحْيَآءُ وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي ٱلْقُبُورِ
٢٢
إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ
٢٣
-فاطر

اللباب في علوم الكتاب

قوله: { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ } (أي) إلى فضل الله. والفقير هو المحتاج { وَاللَّهُ هُوَ الغَنِيُّ } عن خلقه "الحَمِيدُ" أي المحمود في إحسانه إليهم. واعلم أنه لما كثر الدعاء من النبي - عليه السلام - والإصرار من الكفار قالوا إن اللَّهَ لعله محتاج إلى عبادتنا حتى يأمرنا بها أمراً بالغاً ويهددنا على تركها مبالغاً فقال الله. { أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ } فلا يأمركم بالعبادة لاحتياجه إليكم وإنما هو لإشفاقه عليكم.
فصل
التعريف في الخبر قليل والأكثر أن يكون الخبر نكرة والمبتدأ معرفة لأن المخبر لا يخبر في الأكثر إلا بأمر يعلمه المخبر أو في ظن المتكلم أن السامع لا علم له به ثم إنَّ المبتدأ لا بدّ وأن يكون معلوماً عند السامع حتى يقول له: أيها السامع الأمر الذي تعرفه ثَبَتَ له قيامٌ لا علم عندك به فإن الخبرَ معلوم عند السامع والمبتدأ كذلك ويقع الخبر تنبيهاً لا تفهيماً فإنه يحسن تعريف الخبر كقول القائل: "اللَّهُ رَبُّنَا ومُحَمَّدٌ نَبِيُّنَا" حيث عرف كون الله ربنا وكون محمد نبينا وههنا لما كان كون الناس فقراء أمراً ظاهراً لا يخفى على أحد قال: "أَنْتُم الفُقراء" وقوله: "إلى الله" إعلام بأنه لا افتقارَ إلا إليه ولا اتِّكالَ إلا عليه. وهذا يوجب عبادته لكونه مُفْتَقَراً إليه وعدم عبادة غيره لعدم الافتقار إلى غيره ثم قال: { وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ } أي هو مع استغنائه يدعوكم كل الدعاء وأنتم مع احتياجكم لا تجيبونه.
قوله: { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } وهذا بيان لِغناه وفيه بلاغة كاملة لأن قوله تعالى: { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ } أي ليس إذهابكم موقوفاً إلا على مشيئته بخلاف الشيء المحتاج إليه فإن المحتاج إلى الشيء لا يقال فيه: إنْ شَاءَ فُلاَنٌ هَدَمَ دَارَهُ، وإنما يقال: لَوْلاَ حَاجَةُ السُّكْنَى على الدار لِبعْتُها، ثم إنه تعالى زاد على بيان الاستغناء بقوله: { وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } يعني إن كان يتوهم متوهم أنَّ هذا الملك كمال وعظمة فلو أذهبه لزال ملكه وعظمته فهو قادر أن يخلق خلقاً جديداً أحسن من هذا (وأجْمَلَ).
{ وَمَا ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ } أي الإذهاب والإتيان. واعمل أن لفظة "العزيز" استعمله الله تارة في القائم بنفسه فقال في حق نفسه:
{ { وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً } [الأحزاب:25] وقال في هذه السورة: "عَزِيزٌ غَفُورٌ" واستعملة تارة في القائم بغيره فقال: { وَمَا ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ } وقال: { { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ } [التوبة:128] فهل هما بمعنى واحد أو بمعنيين؟ فنقول: العزيز في اللغة هو الغالب والفعل إذا كان لا يطيقه شخصٌ يقال: هو مغلوب بالنسبة إلى ذلك الفعل فقوله: { وما ذلك على الله بعزيز } أي ذلك الفِعل لا يغلبه بل هو هَيِّنٌ على الله وقوله: { { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ } [التوبة:128] أي يحزنه ويؤذيه كالشُّغْل (الشَّاغِل) الغَالِبِ.
قوله: { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ } أي نَفْسٌ وازة بحذف الموصوف للعمل به. ومعنى "تَزِرُ" تحمل، أي لا تحمل نَفْسٌ حاملةٌ حِمْلَ نَفْسٍ أخرى.
قوله: { وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ } أي نفس مثقلة بالذنوب نفساً إلى حملها فحذف المفعول به للعلم به. والعامة "لا يُحْمَلُ" مبنياَ للمفعول و "شَيْءٌ" قائم مقام الفاعل، وأبو السَّمَّال وطلحةُ - وتُرْوى عن الكسائي - بفتح التاء من فوق وكسر الميم. أسند الفعل إلى ضمير النفس المحذوفة التي هي مفعولة "لِتَدْعُ" أي لا تَحْمِلُ تلك النفسُ الدَّعْوَة (و) شيئاً مفعول "بلاَ تَحْمِلْ".
قوله: { وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } أي ولو كان المَدْعو ذَا قُرْبَى، وقيل التقدير ولو كان الدَّاعِي ذَا قربى، والمعنيان حَسَنَان، وقرىء: "ذُو" بالرفع على أنها التامة أي ولو حَضَرَ ذُو قُربى نحو: قَدْ كان من مَطَرْ،
{ { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ } [البقرة:280]. قال الزمخشري: ونظم الكلام أحسن ملاءمةً للنَّاقِصَةِ لأن المعنى على أن المثقلة إذا دعت أحداً إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان مَدْعُوهَا ذا قربى وهو ملتئم ولو قلت: ولو وُجِدَ ذو قربى لخرج عن التئامه، قال أبو حيان: وهو ملتئم على المعنى الذي ذكرناه. قال شهاب الدين: والذي قال هو ولو حضر إذْ ذاكَ ذُو قربى. ثم قال: وتفسيره "كان" وهو مبني للفاعل بـ "وُجِدَ" وهو مبني للمفعول تفسير معنى والذي يفسر النَّحْويُّ به كان التامة نحو: حَدَثَ وحَضَرَ ووَقَعَ.
فصل
المعنى وإنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ بذنوبها غيرَها إلى حِمْلها أي يَحْمِلُ ما عليه من الذنوب لا يُحْمَل منْه شَيْءٌ ولو كان المَدْعو ذا قَرَابة له ابنَة أو أبَاه أو أمَّة أو أَخَاه. قال ابن عباس: يَلْقَى الأبُ أو الأمُّ ابنه فيقول يا بني احْمِلْ عني بَعْضَ ذُونُوبي فيقول لا أستطيع حَسْبِي ما عَلَيَّ.
قوله: { إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ } ولم يروه. قال الأخفش: تأويله إنذارك إنما ينفع الذين يخشون ربهم بالغيب.
قوله: "بالغيب" حال من الفاعل أي يَخْشَوْنَه غائبين عنه. أو من المفعول أي غائباً عنهم. وقوله: الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ في المعنى.
قوله: "وَمَن تَزَكَّى" قرأ العامة "تَزَكَّى" تَفَعَّلَ "فَإنما يَتَزَكَّى" يتفعل. وعن أبي عمرو "ومَنْ يَزَّكَّى فَإنَّما يَزَّكَّى" والأصل فيهما يَتَزَكَّى فأدغمت التاء في الزاي كما أدغمت في الدال نحو "يَذَّكَّرُونَ" في "يتَذَكَّرُونَ"، وابن مسعود وطلحة: "وَمَن ازَّكَّى" والأصل تَزَكَّى فأُدْغِمَ (باجْتلابِ همزة الوصل "فَإنَّمَا يَزَّكَّى" أصله "يَتَزكَّى فأُدْغِمَ") كأبي عمرو في غير المشهور عنه.
فصل
معنى "ومَنْ تزكَّى" صلى وعمل خيراً { فإنَّما يَتَزكَّى لِنَفْسِهِ } لها ثوابه. "وَإلَى اللَّهِ المَصِيرُ" أي التزكي إن لم تظهر فائدته عاجلاً فالمصيرُ إلى الله يظهر عنده يوم القيامة في دار البقاء. والوازرُ إنْ لم تظهر تبعةُ وِزْرِهِ في الدنيا فهي تظهر في الآخرة إذ المصيرُ إلى الله. ثم لما بين الهدى والضلالة ولم يهتد الكافر وهدى الله المؤمن ضرب له مثلاً بالبصير والأعمى فالمؤمن بصير حيث أبصر الطريق الواضح والكافر أعْمَى.
قوله: { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } استوى من الأفعال التي لا يكتفي فيها بواحد لو قلت: اسْتَوَى زيدٌ لم يصح فمن ثَمَّ لزم العطف على الفاعل أو تعدده و "لا" في قوله: { وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ } إلى آخره مكررة لتأكيد النفي. وقال ابن عطية: دخول "لا" إنما هو على نية التكرار كأنه قال: ولا الظلمات والنور والظلمات فاستغنى بذكر الأوائل عن الثَّوَانِي ودل مذكور الكلام على متروكه. قال أبو حيان: وهذا غير محتاج إليه لأنه إذا نفي استؤاؤهما أولاً فأي فائدة في نفي استوئهما ثانياً؟ وهو كلام حسن إلا أن أبا حيان هنا قال: فدخول "لا" في النفي لتأكيد معناه كقوله:
{ { وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ } [فصلت: 34] وللناس في هذه الآية قولان:
أحدهما: ما ذكر.
والثاني: أنها غير مؤكدة إذ يراد بالحسنة الجنس وكذلك السَّيِّئَة فكل واحد منهما متفاوت في جنسه لأن الحسنات درجات متفاوتة وكذلك السيئات. وسيأتي تحقيق هذا إن شاء الله تعالى. فعلى هذا يمكن أن يقال بهذا هنا في الظاهر؛ إذ المراد مقابلة هذه الأجناس بعضها ببعض لا مقابلة بعض أفراد كل جنس على حدته ويرجح هذا الظاهر التصريح بهذا في قوله أولاً: { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } حيث لم يكررها وهذا من المواضع الحسنة المفيدة. "والْحَرُورُ" شدة حر الشمس، وقال الزمخشري: الحرور السَّمُوم إلا أنّ السًّمُومَ بالنهار والحرور فيه وفي الليل. قال شهاب الدِّين: وهذا مذهب الفراء وغيره. وقيل السموم بالنهار والحرور بالليل خاصة. نقله ابن عطية عن رؤبة. وقال: ليس بصحيح بل الصحيح ما قال الفراء. وهذا عجيب منه كيف يرد على أصحاب اللِّسان بقول من يأخذ عنهم؟ وقرأ الكسائي - في رواية زَاذَانَ - عنه "وَمَا تَسْتَوِي الأَحْيَاءُ" بالتأنيث على معنى الجماعة. وهذا الأشياء جيء بها على سَبيل الاستعارة والتمثيل فالأعمى والبصير الكافر والمؤمن والظلمات والنور الكفر والإيمان والظَّلُّ والحَرُورُ الحقُّ والباطل والأحياء والأموات لم دخل في الإسلام ولمن لم يدخل فيه. وجاء ترتيب هذه المَنْفِيَّات على أحسن الوجوه فإنه تعالى لما ضرب الأعمى والبصير مثلين للكافر والمؤمن عقبة بما كل منهما فيه فالكافر في ظلمة والمؤمن في نور لأن البصير وإن كان حديد النظر لا بدّ له من ضوء يبصر فيه وقدم الأعمى؛ لأن البصير فاصلة فحسن تأخيره ولما تقدم الأعمى في الذكر ناسب تقديم ما هو فيه فلذلك قدمت الظلمة على النور ولأن النور فاصل. ثم ذكر ما لكلّ منهما فللمؤمن الظل وللكافر الحرور، وأخّر الحرور لأجل الفاصلة كما تقدم. وقولنا: لأجل الفاصلة هنا وفي غيره من الأماكن أحسن من قيل بعضهم لأجل السجع لأن القرآن يُنَزّه عن ذلك. وقد منع الجمهور أن يقال في القرآن سجع، وإنما كرر الفعل في قوله: { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَحْيَآءُ } مبالغة في ذلك لأن المنافَاةَ بين الحياة والموت أتم من المنافاة المتقدمة وقدم الأحياء لشرف الحياة ولم يُعِد "لا" تأكيداً في قوله الأعمى والبصير وكررها في غيره لأن منافاة ما بعده أتمّ فإن الشخص الواحد قد يكون بصيراً ثم أعمى فلا منافاة إلا من حيث الوصف بخلاف الظِّلِّ والحَرُور والظلمات والنور فإنها متنافية أبداً لا تجتمع اثنان منهما في مَحَلِّ فالمنافاة بين الظل والحرور وبين الظلمة والنور دائمةٌ.
فإن قيل: الحياةُ والموت بمنزلة العَمَى والبَصَر فإن الجسم قد يكون متصفاً بالحياة ثم يتصف بالموت!
فالجواب: أن المنافة بينهما أتم من المنافاة بين الأعمى والبصير لأن الأعمى والبصير يشتركان في إدراكات كثيرة ولا كذلك الحي والميت فالمنافاة بينهما أتمّ. وأفرد "الأعمى والبصير" لأنه قابل الجِنْسَ بالجنس إذ قد يوجد في أفراد العُمْيَان ما يساوي بعض أفراد البُصَراء كأعمى ذكي له بصيرة يساوي بصيراً بليداً فالتفاوت بين الجنسين مقطوع به لا بين الأَفْرَادِ.
وجمع الظلمات لأنها عبارة عن الكفر والضلال وَطُرُقُهُمَا كثيرة متشعبة. ووحد النور لأنه عبارة عن التوحيد وهو واحد فالتفاوت بين كل فرد من أفراد الظلمة وبين هذا الفرد الواحد والمعنى الظلمات كلها لا تجد فيها ما يساوي هذا الواحد. قال شهاب الدين: كذا قيل. وعندي (أنه) ينبغي أنْ يقال: إن هذا الجمع لا يساوي هذا الواحد فنعلم انتفاء مساواة (فردٍ منه) (لـِ) هذا الواحد بطريق أولى وإنما جمع الأحْيَاءَ والأموات لأن التفاوت بينهما أكثر إذ ما من ميِّتٍ يساوي في الإدراك حيًّا فذكر أن الأَحياء لا يساوون الأموات سواء قابلت الجنس أم الفرد بالفرد.
فصل
قال ابن الخطيب: قدم الأشْرَف في مثلين وهو الظّل والحيّ وأخّره في مثلين وهو البصر والنور في مثل هذا يقول المفسرون: إنه لتواخي أواخر الآيات. وهذا ضعيف لأن تواخي الأواخر راجع إلى السجع ومعجزة القرآن في المعنى لا في مجرد اللفظ فالشاعر يقدم ويؤخر للسجع فيكون اللفظ حاملاً له على تغيير المعنى وأما القرآن فحكمة بلغة المعنى فيه صحيح واللفظ يصح فلا يقدم ويؤخر اللفظ بلا معنى فنقول: الكفار قبل النبي - عليه الصلاة والسلام - كانوا في ضلالة فكانوا كالعُمْي وطريقتهم كالظلمة ثُمَّ لما جاء النبي - عليه (الصلاة و) السلام - وبين الحق واهتدى به منهم قوم فصاروا بَصِيرينَ وطريقتم كالنُّور فقال: "لاَ يَسْتَوِي" من كان قبل البعث على الكفر ومن اهتدى بعده إلى الإيمان فلما كان الكفر قبل الإيمان في زمان محمد - عليه (الصلاة و) السلام - والكافر قبل المؤمن قدم المقدم. ثم لما ذكر المآل والمرجع قدم ما يتعلق بالرحمة على ما يتعلق بالغضب لقوله - عليه (الصلاة و) السلام - في الإلهيات:
"سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي" ، ثم إن الكافر المصر بعد البعث صار أضلَّ من الأعمى وشابه الأموات في عدم إدراك الحق من جميع الوجوه فقال: { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَحْيَآءُ } أي المؤمنون الذين آمنوا بما أنزل الله والأموات الذين تُلِيَتْ عليهم تُلِيَتْ عليهم الآياتُ البينات ولم ينتفعوا بها وهؤلاء كانوا بعد الإيمان من آمن فأخرهم عن المؤمنين لوجود حياة المؤمنين قبل ممات الكافرين المعاندين. وقدم الأعمى على البصير لوجود الكفار الصالِّين قبل البعثة على المؤمنين المهتدين بها.
فصل
قال المفسرون: { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْمَى وَٱلْبَصِرُ } (يعني) الجاهل والعالم. وقيل الأعمى عن الهدى والبصير بالهدى أي المؤمن والمشرك { وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ } يعني الكفر والإيمان { وَلاَ الظِّلُّ ولا الحَرُورُ } يعني الجنة والنار { ومَا يَسْتَوِي ٱلأَحْيَاءُ وَلا ٱلأَمْوَاتُ } يعني المؤمنين والكفار. وقيل: العلماء الجهال. { إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَآءُ } حتى يتعظ ويجيب { وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي ٱلْقُبُورِ } يعني الكفار شبههم بالأموات في القبور حين لم يجيبوا { إِنْ أَنْتَ إلاَّ نَذِيرٌ } ما أنت إلا منذر فخوِّفْهُم بالنار.