مكتبة التفاسير
فهرس القرآن
التفاسير الأكثر قراءة
كتب أخرىٰ
التفاسير العظيمة
التفاسير العظيمة
يحتوي الموقع على 91 تفسير للقرآن الكريم و 25 كتاب في علوم القرآن
English
القائمة
الرئيسية
القرآن والتجويد
التفاسير
علم القراءات
علوم القرآن
بحث وفهارس
كتب متفرقة
تراجم
دراسات قرانية
الإعجاز العلمي
خريطة الموقع
نبذة عنا
خريطة الموقع
>
التفسير
التفاسير
١ الفاتحة
٢ البقرة
٣ آل عمران
٤ النساء
٥ المائدة
٦ الأنعام
٧ الأعراف
٨ الأنفال
٩ التوبة
١٠ يونس
١١ هود
١٢ يوسف
١٣ الرعد
١٤ إبراهيم
١٥ الحجر
١٦ النحل
١٧ الإسراء
١٨ الكهف
١٩ مريم
٢٠ طه
٢١ الأنبياء
٢٢ الحج
٢٣ المؤمنون
٢٤ النور
٢٥ الفرقان
٢٦ الشعراء
٢٧ النمل
٢٨ القصص
٢٩ العنكبوت
٣٠ الروم
٣١ لقمان
٣٢ السجدة
٣٣ الأحزاب
٣٤ سبأ
٣٥ فاطر
٣٦ يس
٣٧ الصافات
٣٨ ص
٣٩ الزمر
٤٠ غافر
٤١ فصلت
٤٢ الشورى
٤٣ الزخرف
٤٤ الدخان
٤٥ الجاثية
٤٦ الأحقاف
٤٧ محمد
٤٨ الفتح
٤٩ الحجرات
٥٠ ق
٥١ الذاريات
٥٢ الطور
٥٣ النجم
٥٤ القمر
٥٥ الرحمن
٥٦ الواقعة
٥٧ الحديد
٥٨ المجادلة
٥٩ الحشر
٦٠ الممتحنة
٦١ الصف
٦٢ الجمعة
٦٣ المنافقون
٦٤ التغابن
٦٥ الطلاق
٦٦ التحريم
٦٧ الملك
٦٨ القلم
٦٩ الحاقة
٧٠ المعارج
٧١ نوح
٧٢ الجن
٧٣ المزمل
٧٤ المدثر
٧٥ القيامة
٧٦ الإنسان
٧٧ المرسلات
٧٨ النبأ
٧٩ النازعات
٨٠ عبس
٨١ التكوير
٨٢ الانفطار
٨٣ المطففين
٨٤ الانشقاق
٨٥ البروج
٨٦ الطارق
٨٧ الأعلى
٨٨ الغاشية
٨٩ الفجر
٩٠ البلد
٩١ الشمس
٩٢ الليل
٩٣ الضحى
٩٤ الشرح
٩٥ التين
٩٦ العلق
٩٧ القدر
٩٨ البينة
٩٩ الزلزلة
١٠٠ العاديات
١٠١ القارعة
١٠٢ التكاثر
١٠٣ العصر
١٠٤ الهمزة
١٠٥ الفيل
١٠٦ قريش
١٠٧ الماعون
١٠٨ الكوثر
١٠٩ الكافرون
١١٠ النصر
١١١ المسد
١١٢ الاخلاص
١١٣ الفلق
١١٤ الناس
<
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
>
--- كل المدارس ---
أمهات التفاسير
تفاسير أهل السنة
تفاسير أهل السنة الصوفية
تفاسير أهل السنة السلفية
تفاسير ميسرة
تفاسير الشيعة الإثنى عشرية
تفاسيرالزيدية
تفاسيرالاباضية
تفاسير حديثة
تفاسير مختصرة
--- اختر التفسير---
تفسير القرآن/ الفيروز آبادي (ت817 هـ)
بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ)
النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ)
معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ)
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ)
زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ)
تفسير القرآن/ ابن عبد السلام (ت 660 هـ)
مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ)
لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ)
البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ)
التفسير/ ابن عرفة (ت 803 هـ)
غرائب القرآن و رغائب الفرقان/القمي النيسابوري (ت 728 هـ)
الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ)
اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ)
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ)
الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ)
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ)
مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ)
الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ)
تفسير مجاهد / مجاهد بن جبر المخزومي (ت 104 هـ)
الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ)
التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ)
التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ)
تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ)
حاشية الصاوي / تفسير الجلالين (ت1241هـ)
تفسير سفيان الثوري/ عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي (ت161هـ)
تفسير النسائي/ النسائي (ت 303 هـ)
تفسير عبد الرزاق الصنعاني مصور /همام الصنعاني (ت 211 هـ)
محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ)
تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ)
تفسير القرآن العزيز/ ابن أبي زمنين (ت 399هـ)
كتاب نزهة القلوب/ أبى بكر السجستاني (ت 330هـ)
عرض
يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ للَّهِ وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً
١٣٥
-النساء
أضف للمقارنة
اللباب في علوم الكتاب
في اتِّصال [هذه] الآية وُجُوهٌ:
أحدها: لما تقدَّمَ ذكر النِّساء والنُّشُوز، والمُصَالحَةِ بينهُنَّ وبين الأزْوَاج عَقبه بقيام أدَاءِ حقوق اللَّه - تعالى-، وفي الشَّهَادَةِ إحياء حقوقِ اللَّه؛ فكأنه قِيل: وإن اشْتغَلْتَ بتحصيلِ شهواتِكَ، كنت لِنَفْسِكَ، لا لِلَّه، [وإن اشتغَلْتَ بِتحْصِيل مأمُوراتِ اللَّه كنت للَّه، لا لِنَفْسِكَ]، وهذا المقام أعلَى وأشْرَف، فكانت هَذِه الآية تأكيداً لِمَا تقدَّم من التَّكَالِيفِ.
الثاني: أن اللَّه - تعالى - لمَّا منَع النَّاس عن اقْتِصَارِهم على ثَوَابِ الدُّنْيَا، وأمرهُم أنْ يَطْلُبوا ثواب الآخِرَة، عَقَّبَه بهذه الآيَةِ، وبَيَّنَّ أنَّ كمال سَعَادَة الإنْسَان، في أنْ يكون قولُه وفِعْلُه للَّه، وحركَتهُ للَّه، وسُكُونهُ للَّه؛ حتى يصير من الَّذِين يكُونُون في آخِر مَرَاتِب الإنْسَانِيّة، وأوَّل مراتب الملائِكَة، فإذا عَكَس القضيّة، كان مِثْل البَهِيمَة الَّتِي مُنْتهَى أمْرِها وُجْدَان عَلَفِها والشَّبَع.
الثالث: أنه تقدَّم في هذه السُّورَة تَكَالِيفُ كَثِيرةٌ، فِأمرَ النَّاس بالقِسْط بقوله:
{
{ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ }
[النساء: 3]، وأمرهم بالإشْهَاد عِنْد دَفْع أمْوَال اليَتَامَى إليْهِم، وأمَرَهُم ببَذْلِ النَّفْسِ والمَالِ في سَبيلِ اللَّه، وذكر قِصَّة طعمة بن الأبَيْرِقِ، واجتماع قوْمه على الذَّبِّ عنه [بالكذب] والشَّهَادة على اليَهُودي بالبَاطِل، وأمر بالمُصَالَحَة مع الزَّوْجَة، وكلُّ ذلك أمْر من اللَّه لعبادِه بالقِيَام بالقِسْط، والشَّهَادَة [فيه] [للَّه] على كُلِّ أحَدٍ، فكانت هذه الآيَة كالمُؤكِّد لما تقدَّم من التَّكَالِيفِ.
القَوَّامُ: مُبَالغة من قَائِمٍ، والقِسْط: العَدْل، وهذا أمْر مِنه - تعالى - لجميع المكَلَّفِين، بأن يُبَالغُوا في العَدْل، والاحْتِرَازِ عن الجَوْر والمَيْل.
قوله: "شُهَداءَ لِلَّه" فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه خَبرٌ ثَانٍ لكان، وفيه خِلاَف تقدَّم ذِكْرهُ.
والثاني: أنه حَالٌ من الضَّمير المُسْتَكِنِّ في: "قوَّامينَ" فالعَامِل فيها: "قوَّامين".
وقد ردَّ أبو حيَّان [هذا الوجه: بأنَّه يَلْزَم منه تقييدُ كونهم قوَّامين بحال الشَّهادَةِ، وهم مأمُورُون بذلك مُطْلَقاً].
وهذا الردُّ ليْس بِشَيْءٍ؛ فإن هذا المَعْنَى نَحَا إلَيْه ابن عبَّاسٍ -
رضي الله عنه
- قال: كُونُوا قوَّامِين بالعَدْل في الشَّهَادَة على من كانت، وهذا هُو مَعْنَى الوَجْه الصَّائِر إلى جَعْل شُهَداء حالاً.
الثالث: أن يكون صِفَة لـ "قوَّامين"، ومَعْنَى قوله: "للَّه" أي: لِذَات اللَّه، ولوجْهِه ولمرْضَاتِه، وثَوَابِه.
قوله: { وَلَو عَلَى أَنْفُسِكُم } "لو" هذه تَحْتَمل أنْ تَكُونَ على بَابِها من كَوْنِها حرفاً لما كان سَيَقعُ لوقُوعِ غَيْرِه، وجوابُها مَحْذُوفٌ، أي: ولو كُنْتُم شُهَدَاءَ على أنْفُسكم، لوجب عَلَيْكُم أن تَشْهدوا عليها.
وأجاز أبو حيَّان أن تَكُونَ بمعنى: "إن" الشَّرطِيّة، ويتعلَّق قوله: "عَلَى أنْفُسِكُم" بمحذوفٍ، تقديرُه: وإن كنتم شُهَدَاء على أنْفُسِكم، فكونوا شُهَدَاءَ لله، هذا تَقْدِيرُ الكلام، وحذفُ "كان" بعد "لو" كَثِيرٌ، تقول: ائتِني بِتَمْر، ولو حَشَفاً، أي: وإن كان التَّمْر حشفاً، فأتني به. انتهى.
وهذا لا ضرورةَ تدْعُوا إليه، ومجيءُ "لو" بِمَعْنى: "إنْ" شَيْء أثبته بعضهم على قِلَّة، فلا يَنْبَغي أن يُحْمَل القُرآنُ عليه.
وقال ابْن عَطِيَّة: "عَلى أنْفُسِكُم" متعلِّقٌ بـ "شهداء".
قال أبو حيان "فإنْ عَنَى بـ "شُهَدَاءَ" المَلْفُوظ به، فلا يَصِحُّ، وإن عَنَى به ما قَدَّرْناه نَحْن، فيصِحُّ" يعني: تقديره: "لو" بمعنى: "إنْ" وحَذْفَ "كان"، واسمِها، وخبرها بَعْد "لو"، وقد تقدَّم أن ذَلِك قَلِيلٌ، فلم يبق إلا انَّ ابن عَطِيّة يريد "شُهَداءَ" مَحْذُوفةً؛ كما قَدَّرْتُه لك أولاً، نحو: "ولو كُنْتُم شُهَدَاء" على أنفسكم، لوجَبَ عليْكُم أن تَشْهَدُوا.
وقال الزَّمَخْشَرِيُّ: "ولو كَانَتِ الشَّهَادةُ على أنفسكُم" فجَعَل "كَان" مُقَدَّرةً وهي تَحْتمِلُ في تَقْدِيره التَّمَام والنُّقْصَان: فإنْ قدَّرْتَها تَامةً، كان قوله "على أنْفُسِكم" متعلِّقاً بنفسِ الشَّهَادة، ويكون المَعْنَى: "ولو وُجِدَتِ الشهادةُ على أنْفُسِكُم" وإن قدَّرْتَها نَاقِصَةً، فيجوزُ أنْ يكون "على أنْفُسِكُم" متعلِّقاً بمَحْذُوفٍ على أنَّه خَبرُهَا، ويجُوز أن يكُون متعلِّقاً بنفس الشَّهادة، وحينئذ يكُون الخَبَر مقدَّراً، والمَعْنَى: "ولو كَانَتِ الشَّهَادةُ على أنْفُسِكُم موجُودةً" إلا أنَّه يلزمُ مِنْ جَعْلِنا "على أنْفُسِكُم" متعلِّقاً بالشَّهادة، حذفُ المَصْدرِ وإبقاءُ معْمُولِه، وهو قليل أو مُمْتَنِع، وقال أيضاً: "ويجُوز أن يكُون المَعْنَى: وإن كانتِ الشَّهَادة على أنْفُسِكُم".
ورَدَّ عليه [أبو حيَّان] هَذَيْن الوجْهَيْنِ فقال: "وتقديرُه: ولو كانت الشَّهادة على أنْفُسِكُم ليس بجيِّد؛ لأن المحْذُوفَ إنما يكون من جِنْس المَلْفُوظ به؛ ليدلَّ عليه، فإذا قُلْت: "كن مُحْسِناً، ولو لمَنْ أساء إليك"، فالتقدير: ولو كنت مُحْسِناً لمَنْ أساء، ولو قَدَّرْتَه: "ولو كان إحْسَانُك" لم يكن جَيِّداً؛ لأنك تَحْذِف ما لا دلالة عليه بِلَفْظٍ مُطَابِقٍ".
وهذا الردُّ لَيْس بشيء، فإن الدِّلالة اللَّفظِيّة موجودةٌ؛ لاشتراكِ المَحْذُوفِ والمَلْفُوظ به في المَادَّة، ولا يَضُرُّ اختلافُهما في النَّوْع.
وقال في الوجه الثاني: "وهذا لا يجُوز؛ لأن ما تعلَّق به الظَّرْف كونٌ مقيدٌ، والكونُ المُقَيَّد لا يجُوز حَذْفُه، بل المُطْلَقُ، لو قلت: كَان زَيْد فِيك، تعني: مُحِبّاً فيك، لَمْ يَجُز".
وهذا الرَدُّ أيضاً لَيْس بِشَيْءٍ؛ لأنه قصد تَفْسير المَعْنَى، ومبادئُ النَّحْو لا تَخْفَى على آحادِ الطَّلبة، فكيف بِشَيْخِ الصِّنَاعَة.
فصل
شَهَادة الإنْسَان على نَفْسِه لها تَفْسِيران:
أحدُهما: أن يُقِرَّ عَلَى نَفْسه؛ لأن الإقْرَار كالشَّهَادَةِ في كونه مُوجِباً إلْزَام الحَقِّ.
الثاني: أن يكون المُرَادُ: ولو كَانَت الشَّهَادة وبالاً على أنْفُسِكُم، أو على الوالدين والأقْرَبين، فأقِيمُوها عليْهم، ولا تُحابُوا غَنِيّاً لِغِنَاهُ، ولا ترحموا فقيراً لِفَقْرِهِ، وهو قوله: { إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا } أي: أقِيمُوا على المَشْهُود عليه وإن كان غَنِيّاً وللمَشْهُود له وإن كان فقيراً، فاللَّه أوْلى بِهِمَا منكم، أي: كِلُوا أمْرَهُم إلى اللَّه - تعالى -.
وقال الحَسَن: اللَّه أعْلَم بهما.
قال القُرْطُبِيُّ: "قَوَّامين" بناء مُبَالَغَة، أي: ليتكَرَّر منكم القِيَام بالقِسْط وهو العَدْل في شَهَادَتِكُم على أنْفُسِكُم، وشهادة المَرْء على نفْسِه: إقرَارهُ بالحُقُوق عليها، ثم ذكر الوالِدَيْن؛ لوجوب بِرِّهِما، وعظم قَدْرهِمَا، ثم أتَى بالأقْرَبين؛ إذْ هُم مَظَنَّة المَودَّة والتَّعَصُّب، وجاءَ الأجْنَبِيُّ الآخر؛ لأنه أحْرَى أن يَقُوم [عليه] بالقِسْطِ.
فصل
إنما قدَّم الأمْر بالقِيَام بالقسط على [الأمْر] بالشَّهادة لِوُجُوه:
أحدُهَا: أن أكْثَر النَّاس عادتهم أنَّهم يَأمُرُون غَيْرَهُم بالمَعْرُوفِ، فإذا آل الأمْر إلى أنْفُسِهِم، تركوه حتى إنَّ قُبْحَ القَبِيحِ إذا صَدَر عنهم، كان في مَحَلِّ المُسَامَحَة وأحْسَنَ الحُسْن، إذا صَدَرَ عن غَيْرِهم، كان في مَحَلِّ المُنَازَعة، فاللَّه - تعالى - نبّه في هذه الآية على سُوءِ الطَّريقَة، بأنْ أمره بالقِيَام [بالقِسْطِ] أوّلاً، ثم أمَرَهُ بالشَّهَادة على غَيْرِه ثَانِياً، تنبيهاً عَلَى أن الطَّرِيقَة الحَسَنة هي أن تكُون مُضَايَقَة الإنْسَان مع نَفْسِه [فَوْق] مُضايقته مع الغَيْر.
وثانيها: أنَّ القِيام بالقِسْط: هو دَفْع ضَرَر العِقَاب عن النَّفْسِ، وإقَامَة الشَّهَادة، سعي في دَفْع ضَرَر العِقَاب عن الغَيْر، وهو الَّذِي عَلَيْه الحَقُّ، ودفع الضرر عن النَّفْسِ مُقَدَّم على دَفْع الضَّرَر عن الغَيْرِ.
وثالثها: أن القِيَام بالقِسْطِ فعل، والشَّهادة قول [والفِعْل أقْوى من القَوْل].
فإن قِيل: فقد قدَّم الشَّهادة على القِيام بالقسْطِ في قوله:
{
{ شَهِدَ ٱللَّهُ [أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِماً بِٱلْقِسْطِ }
[آل عمران: 18].
فالجواب: أنَّ شهادَةَ الله عبارَةٌ عن كونه مُرَاعِياً للعَدْل، ومُبَايِناً للجَوْر، ومعلوم: أنَّه ما لم يكن الإنْسَان كذلك، لم يُقْبَل شَهَادتُهُ على الغَيْر؛ فلهذا كان الوَاجِبُ في قوله: "شَهِدَ اللَّه"] أن يقدِّم تلك الشَّهادة على القِيَامِ بالقِسْطِ، والواجِبُ هُنَا: أن تكُون الشَّهادة متأخِّرَة عن القِيَامِ بالقِسْطِ.
قوله: { إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا } إذا عُطِف بـ "أوْ" كان الحُكْمُ في عَوْدِ الضَّمِير، والإخْبَارِ، وغيرهما لأحدِ الشَّيْئَيْن أو الأشياء، ولا يجُوزُ المُطابَقَةُ، تقول: "زَيْد أو عَمْرو أكْرمتهُ" ولو قُلْتَ: أكرمتهُمَا، لم يَجُز، وعلى هذا يُقال: كيف ثَنَّى الضَّمِير في الآية الكَرِيمَةِ، والعطف بـ "أو"؟ لا جَرَم أن النَّحْويِّين اختلَفُوا في الجواب عن ذلك على خَمْسَةِ أوْجُه:
أحدُها: أنَّ الضَّمِير في "بهما" ليس عَائِداً على الغَنِيِّ والفقير المَذْكُورين أولاً، بل على جنْسَي الغني والفَقِير المدلُولِ عليهما بالمَذْكُورَيْن، تقديرُه: وإنْ يكنِ المشهُودُ عليه غَنِيًّا أو فقيراً، فليشْهَد عليه، فاللَّهُ أوْلى بجنْسَي الغنيِّ والفقيرِ؛ ويَدُلُّ على هذا قِراءة أبَيِّ: "فاللَّه أوْلَى بِهِمْ" أي: بالأغنياء والفقراءِ مراعاةً للجِنْسِ على ما قَرَّرته لَك، ويكون قوله: { فالله أوْلى بهما } ليس جواباً للشرط، بل جَوابُه مَحْذُوفٌ كما قَدْ عَرَفْتَه، وهذا دالٌّ عليه.
الثاني: أنَّ "أو" بمعنى: الواو؛ ويُعْزى هذا للأخْفش، وكنت قدَّمْتُ أوّلَ البقرة: أنه قولُ الكوفيين، وأنه ضعيفٌ.
الثالث: أن "أو": للتَّفْصِيل أي: لتفصيلِ ما أبْهِم، وقد أوضح ذلك أبُو البقاء، فقال: "وذلك أنَّ كلَّ واحدٍ من المَشْهُود عليه والمشهود له، قد يكُون غنيًّا، وقد يكُون فقيراً، وقد يكونان غَنِيَّيْنِ، وقد يكونان فَقَيرَيْن، وقد يكون أحَدُهُمَا غنيّاً والآخر فَقِيراً؛ فلما كَانتِ الأقسام عند التَّفْصِيل على ذلك، أُتِي بـ "أو"، لتَدُلَّ على التَّفْصِيل؛ فعلى هذا يكون الضَّمِير في "بهِما" عائداً على المَشْهُود له والمشهود عليه، على أيِّ وصفٍ كانا عليه" انتهى؛ إلا أنَّ قوله: "وقد يكون أحَدهُمَا غنيّاً والآخر فَقِيراً" مكرَّرٌ؛ لأنه يُغْني عنه قوله: "وذَلِك أنَّ كلَّ وَاحِد" إلى آخره.
الرابع: أنَّ الضَّمِير يعود على الخَصْمَيْن، تقديره: إن يكُن الخصمان غنيّاً أو فقيراً، فالله أوْلى بِذَينك الخصمين.
الخامس: أن الضَّمير يعود على الغَني والفَقير المدْلُول عليهما بلَفْظ الغنّي والفقير، والتقديرُ: فاللَّهُ أولى بغنى الغني وفقر الفقير، وقد أساء ابن عصْفُور العِبَارة هنا بما يُوقفُ عليه في كلامه، وعلى أربعة الأوجهِ الأخيرة يكونُ جوابُ الشَّرط ملفوظاً به، وهو قوله: { فالله أوْلى بِهمَا } بخلاف الأوَّل؛ فإنه مَحْذُوفٌ.
وقرأ عبد الله بن مسعود: "إن يَكُنْ غنيٌّ أو فقيرٌ" برفعهما، والظَّاهرُ أنَّ "كان" في قراءته تامةٌ، أي: وإنْ وجِد غِنِيٌّ أو فقير، نحو:
{
{ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ }
[البقرة: 280].
قوله: { فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ } أي: اتركُوا متابعة الهَوَى؛ حتى توصَفُوا بالعَدْل؛ لأنَّ العدل عِبارة عن تَرْك مُتَابعة الهَوَى، ومن تَرَك أحَد النَّقِيضَيْن، فقد حَصَل له الآخَر.
قوله: "أنْ تَعْدِلُوا" فيه ثلاثةُ أوجهٍ:
أحدُها: أنه مَفْعُولٌ مِنْ أجله على حَذْفِ مضافٍ، تقديره: فلا تتَّبِعُوا الهوى محبةَ أنْ تَعْدِلوا، أو إرادةَ أنْ تَعْدِلوا، أي: تَعْدِلوا عن الحَقِّ وتجُوروا.
وقال أبو البقاء في المضافِ المحذوف: "تقديره: مخافة أن تَعْدلوا عن الحَقِّ". وقال ابن عَطِيَّة: "يُحْتمل أن يكُونَ مَعْناه: مخافة أن تَعْدِلوا، ويكُون العَدْلُ هنا بِمَعْنى: العُدول عن الحَقِّ، ويُحْتمل أن يكُونَ معناه: مَحَبة أنْ تَعْدِلوا، ويكونُ العَدْلُ بمعنى: القِسْطِ؛ كأنه يقول: انتهوا؛ خوفَ أن تجُورُوا، أو مَحَبِّة أنْ تُقْسِطُوا، فإنْ جعلْتَ العَامِل "تَتَّبِعُوا" فيحتمل أن يكونَ المَعْنَى: محبةَ أنْ تجُوروا" انتهى؛ فتحصَّل لنا في العَامِل وجهان:
الظاهرُ منهما: أنه نَفْسُ "تتبعوا".
والثاني: أنه مُضْمَر، وهو فعلٌ من مَعْنَى النهي؛ كما قدَّره ابنُ عطيَّة، كأنه يزْعمُ أنَّ الكلامَ قد تَمَّ عند قوله: { فلا تتَّبعُوا الهَوَى } ثم أضْمَرَ عَامِلاً، وهذا ما لا حَاجَة إليه.
الثاني: أنه على إسْقَاطِ حرْفِ الجَرِّ، وحذْفِ "لا" النَّافِية، والأصْل: فلا تتَّبعوا الهَوَى في ألاَّ تَعْدِلوا، أي: في تَرْكِ العَدْل، فحذف "لا" لدلالة المَعْنَى عَلَيْهَا، ولمَّا حَذَف حَرْفَ الجر من "أنْ" جرى القَوْلان الشَّهِيرَان.
الثَّالث: أنه عَلَى حَذْفِ لام العِلَّة، تقديرُه: فلا تتبعوا الهوى؛ لأن تَعْدِلوا.
قال صَاحِب هذا القول: "والمعنى: لا تتبعُوا الهوى؛ لتكونوا في اتِّباعِكُمُوه عدُولاً، تنبيهاً على أن اتباعَ الهوى وتَحَرِّي العدالةِ مُتَنَافيان لا يجتمعان" وهو ضَعِيفٌ في المَعْنَى.
قوله: "وَإِن تَلْوُوا" قرأ ابن عامرٍ، وحمزة: "تَلُوا" بلامٍ مَضْمُومةٍ وواوٍ ساكنة، والبَاقُون: بلامٍ ساكنةٍ وواوَيْن بعدهَا، أولاهُمَا مَضْمُومة.
فأمَّا قراءةُ الوَاوَيْن، فظاهرةٌ؛ لأنه من لَوَى يَلْوي، والمعْنَى: وإنْ تَلْووا ألسِنَتكُم عن شهادةِ الحَقِّ أو حكومَةِ العَدْل، والأصْلُ: تَلْوِيُون كتَضْرِبون، فاستُثْقِلَتِ الضَّمَّةُ على اليَاءِ فحُذفت، فالتقى سَاكِنَان: الياء وَوَاو الضَّمِير، فحُذِف أوّلُهما - وهو الياء - وضُمَّت الواوُ المكْسُورةُ التي هِيَ عَيْن لأجْل واوِ الضميرِ، فصار: تَلْوُون، وتصريفُه كتصريف "تَرْمُونَ".
فإن كان عَنِ الشَّهادة، فالمَعْنَى: يحرِّفُوا الشَّهادة؛ ليُبْطِلُوا الحقَّ، من قولهم: لوى الشيء، إذا فتله، ومنه يُقَال: التَوَى هذا الأمْر، إذا تَعَقَّد وتعسَّرَ، تشبيهاً بالشَّيْءِ المُنْفَتِل، أو تُعْرِضُوا عنها فَتَكْتُمُوهَا، أو يُقَال: تَلْوُوا في إقامة الشَّهَادة إذا تَدَافَعُوا، يقال: لَوَيْتُه حَقَّه؛ إذا دَفَعْتَه وأبْطلْتَه.
وإن كان عَنَى الحُكْم بالعَدْل، فهو خِطَاب للحُكَّام في لَيِّهم الأشداق، يقول: "وَإِنْ تَلْوُواْ" أي: تميلُوا إلى أحَدِ الخَصْمَيْن، أو تُعْرِضُوا عنه.
وأما قراءة حمزة وابنِ عامرٍ، ففيها ثلاثة أقوال:
أحدُها: وهو قول الزَّجَّاج، والفراء، والفارسي في إحدى الرِّوايَتَيْن عنه - أنه من لَوَى يَلْوي؛ كقراءة الجماعة، إلاَّ أنَّ الوَاوَ المَضْمُومةَ قُلِبَتْ هَمْزةً؛ كقلبها في "أجُوه" و"أُقِّتَتْ"، ثم نُقِلت حركةُ هذه الهَمْزةِ إلى السَّاكن قَبْلَها وحذفت، فصار: "تَلُون" كما ترى.
الثاني: أنه من لَوَى يَلْوي أيضاً، إلا أن الضَّمَّة استُثْقِلَتْ على الواو الأولى فنُقِلت إلى اللام السَّاكِنَة تَخْفِيفاً، فالتقى ساكِنَان وهما الواوان، فحُذِف الأوَّل مِنْهُما، ويُعْزى هذا للنَّحَّاسِ، وفي هَذَيْن التخريجَيْن نظرٌ؛ وهو أنَّ لامَ الكَلِمَة قد حُذِفَتْ أولاً كما قَرَّرْته، فصار وَزْنُه: تَفْعُوا، بحذف اللاَّم، ثم حُذِفت العَيْنُ ثانياً، فصار وزنه: تَفُوا، وذلك إجْحَافٌ بالكلمة.
الثالث: ويُعْزى لجَمَاعةِ منهم الفَارسيُّ - أن هذه القِرَاءة مأخُوذة من الولاية، بمعنى، وإنْ وُلِّيتم إقَامة الشَّهَادة أو وُلِّيْتُم الأمرَ، فتَعْدِلُوا عنه، والأصل: "تَوْلِيُوا" فحذفت الواوُ الأولى لِوُقُوعِها بين حَرْفِ المُضَارَعَةِ وكسرةٍ، فصار: "تَلِيُوا" كتَعِدُوا وبَابِه، فاستثقلت الضَّمَّةُ على الياءِ، ففُعِل بها ما تَقَدَّم في "تَلْوُوا"، وقد طَعَنَ قومٌ على قِرَاءة حَمْزة وابن عامرٍ - منهم أبو عُبَيْد - قالوا: لأنَّ معنى الوِلاَية غيرُ لائقٍ بهذا المَوْضِع.
قال أبو عبيد: "القراءةُ عندنا بوَاوَيْن مأخوذةٌ من: "لَوَيْتُ" وتحقيقه في تفسيرِ ابن عبَّاسٍ: هو القَاضِي، يكُونُ لَيُّه وإعراضُه عن أحد الخَصْمَيْن للآخر" وهذا الطعنُ ليس بِشَيْء؛ لأنها قراءةٌ متَواتِرَةٌ ومعناها صَحيحٌ؛ لأنَّه إن أخَذْناها من الوِلاَية كان المَعْنَى على ما تقدَّم، وإن أخذناها مِنَ الليِّ، فالأصلُ: "تَلْوُوا" كالقراءة الأخْرى، وإنما فُعِل بها ما تَقَدَّم من قَلْبِ الوَاوِ هَمْزةً ونَقْل حركتها، أو من نَقْلِ حَرَكَتِها من غير قَلْبٍ، فتتَّفِقُ القراءَتَان في المَعْنَى.
ثم قال: { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } وهذا تهديدٌ ووعيدٌ للمذنِبِين، ووعد بالإحْسَان للمُطِيعينَ.
x
x
x
x
x
x
x
x
x
x
اختر كتب التفسير المراد اضافتها للمقارنة :
--- كل المدارس ---
أمهات التفاسير
تفاسير أهل السنة
تفاسير أهل السنة الصوفية
تفاسير أهل السنة السلفية
تفاسير ميسرة
تفاسير الشيعة الإثنى عشرية
تفاسيرالزيدية
تفاسيرالاباضية
تفاسير حديثة
تفاسير مختصرة
موافق
أعلى الصفحة
2024 © جميع الحقوق محفوظة