خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَمَّا جَآءَنِيَ ٱلْبَيِّنَـٰتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ
٦٦
هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَـبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُـمْ ثُمَّ لِتَكُـونُواْ شُيُوخاً وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوۤاْ أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّـكُمْ تَعْقِلُونَ
٦٧
هُوَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ
٦٨
-غافر

اللباب في علوم الكتاب

قوله تعالى: { قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } لما أورد على المشركين تلك الأدلة الدالة على إثبات إله العالم أمره بهذا القول؛ ليصرفهم عن عبادة الأوثان، وبين وجه النهي في ذلك وهو ما جاءه من البينات، وهو ما تقدم من الدلائل على أن إله العالم قد ثَبَتَ كونُهُ موصوفاً بصفات الجَلاَل والعظمة على ما تقدم وصريحُ العقل يشهد بأن العبادة لا تليق إلا به، والأحجار المنحوتة والأخشاب المُصوَّرة لا تصلح أن تكون شريكاً له فقال: وأمرت أَنْ أُسْلِمَ لرب العالمين، وذلك حين دُعِيَ إلى الكفر.
قوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ... } لما استدل على إثبات الإلهية بدليل الآفاق وذكر منها الليل والنهار والأرض والسماء، ثم ذكر الدليل على إثبات الإله القادر بخلق الأنفس وهو نوعان: أحدهما: حسن العودة ورزق الطيّبات؛ ذكر النوع الثاني وهو: تكوين البدن من ابتداء كونه نُطفةً وجَنيناً إلى آخر الشَّيْخُوخَة والموت فقال: { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ }، قيل: المراد آدم. قال ابن الخطيب: وعندي لا حاجة إلى ذلك لأن كل إنسان فهو مخلوق من المَنِي ومن دَم الطَّمْثِ والمَنِي مخلوق من دم فالإنسان مخلوق من الدّم، والدم إنما يتولد من الأغذية والأغذية إما حيواينة وإما نباتية، والحال في ذلك الحيوان كالحال في تكوين الإنسان فكانت الأغذية إما حيوانية وإما نباتية، والحال في ذلك الحيوان كالحال في تكوين الإنسان فكانت الأغذية كلها منتهية إلى النبات والنبات إنما يكون من التراب والماء فثبت أن كل إنسان مُتَكَوِّن من التراب، ثم إن ذلك التراب يصير نطفةً ثم علقةً، ثم بعد كونه علقة مراتب إلى أن ينفصل من بطن الأم. والله تعالى ترك ذكرها ههنا لأنه ذكرها في آيات أُخَر، قال: { ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } أي أطفالاً { ثُمَّ لِتَـبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُـمْ }. (قال الزمخشري: قوله: لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) متعلق بفعل محذوف، تقديره ثم يبعثُكم لِتبلغُوا أَشُدَّكُمْ، { ثُمَّ لِتَكُـونُواْ شُيُوخاً وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ } أي: أن يصير شَيْخاً، أو من قبل هذه الأحوال إذا خرج سَقْطاً ثم قال: { وَلِتَبْلُغُوۤاْ أَجَلاً مُّسَمًّى } أي ولتبلغوا جميعاً { أَجَلاً مُّسَمًّى } وقتاً محدوداً لا تُجَاوِزُونَه وهو وقت الموت. وقيل: يوم القيامة، { وَلَعَلَّـكُمْ تَعْقِلُونَ } أي لكي تعقلوا توحيد ربكم وقدرته وتستدلوا بهذه الأحوال العجيبة على وحدانية الله تعالى.
ثم قال: { هُوَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ } والمعنى أنه تعالى لما ذكر انتقال الأجسام من كونها تراباً إلى أن بلغت الشيخوخة، واستدل بهذه التغييرات على وجود الإله القادر قال بعده: { هُوَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ } أي كما أن الانتقال من الحياةِ إلى الموت وبالعكس، يدل على الإله القادر.
(و) قوله: { فَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ } فيه وجوه:
الأول: معناه أنه لم ينقل هذه الأجسام من صفة إلى صفة أخرى بآلةٍ تعينه إنما يقول له كن فيكون.
الثاني: أنه عبر عن الإحياء والإماتة بقوله: { كُن فيَكُونُ } فكأنه قيل: الانتقال من كونه تراباً إلى كونه نطفةً إلى كونه علقةً انتقالاتٌ تَحْصُل على التدريج قليلاً. وأما صَيْرُورَتُهُ حَيَّا فهي إنما تحصل بتعليق جَوْهَر الرُّوح، وذلك يحدث دفعة واحدة فلهذا عبر عنه بقوله: "كن فيكون".
الثالث: أنَّ من الناس من يقول: إن الإنسان إنما يتكون من المَنِي والدَّم في الرحم في مدة معينة بحسب الانتقالات من حال إلى حال، فكأنه قيل: إنه يمتنع أن يكون كل إنسان عن إنسان آخرَ؛ لأن التسلسل محالٌ، ووقوع الحادث في الأزل محال فلا بد من الاعتراف بإنسان هو الناس وحينئذ يكون حدوث ذلك الإنسان لا بواسطة المَنِي والدم بل بإيجاد الله تعالى، ابتداءً، فعبر الله تعالى عن هذه المعنى بقوله: { كُن فيَكُونُ }.