خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً
٢٩
-الفتح

اللباب في علوم الكتاب

قوله: { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ } يجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر؛ لأنه لما تقدم "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُوله" دل على ذلك المقدر، أي هو أي الرسول بالهُدَى محمد و "رسول الله" بدل أو بيان، أو نعت. وأن يكون مبتدأ وخبراً، وأن يكون مبتدأ و "رسول الله" على ما تقدم من البيان والبدل، والنعت "والذين معه" عطف على محمد والخبر "عَنْهم".
قوله: { أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ } (قال ابن الخطيب: كأنه قال: "والذين معه" جميعهم { أشداء الكفار رحماء بينهم } لأن وصف الشدة والرحمة وجد في جميعهم، أما في المؤمنين فقوله تعالى:
{ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [المائدة:54] وأما في حق النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ فقوله تعالى: { { وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ } [التوبة:73]. وقال في حقه: { بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [التوبة:128].
وعلى هذا فقوله: "تَرَاهُمْ" لا يكون خطاباً مع النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ بل يكون عاماً خرج مَخْرَج الخطاب تقديره تراهم أيها السامع كائناً من كان). وقرأ ابن عامر في رواية: رَسُولَ اللهِ بالنصب على الاختصاص وهي تؤيد كونه تابعاً لا خبراً حالة الرفع.
ويجوز أن يكون "وَالَّذِينَ مَعَهُ" على هذا الوجه مجروراً عطفاً على الجلالة أي ورسول الذين آمنوا معه لأنه لما أرسل إليهم أضيف إليهم فهو رسول الله بمعنى أن الله أرسله ورسول أمته بمعنى أنه مرسل إليهم ويكون "أشداء" حينئذ خبر مبتدأ مضمرم أي هُمْ أَشِدَّاءُ. ويجوز أن يكون تَمَّ الكلامُ على "رَسُول اللهِ" و "الَّذين مَعَهُ" و "أشِدَّاء" خبره. وقرأ الحسن: أشِدَّاءَ رُحَمَاءَ بالنصب إما على المَدْح وإمَّا على الحال من الضمير المستكِنّ في "مَعَهُ"؛ لوقوعه صلة، والخبر حينئذ عن المبتدأ قوله "تَرَاهُمْ ركعاً" و "رُكَّعاً سُجَّداً" حالان؛ لأن الرؤية بصرية، وكذلك "يَبتَغُونَ". ويجوز أن يكون مستأنفاً. وإذا كان حالاً فيجوز أن تكون حالاً ثالثة من مفعول "تَرَاهُمْ" وأن تكون من الضمير المستتر في "رُكَّعاً سُجَّداً". وجوز أبو البقاء أن يكون "سُجَّداً حالاً من الضمير في "رُكَّعاً" حالاً مقدرةً. فعلى هذا يكون "يَبْتَغُونَ" حالاً من الضمير "سُجَّداً"، فيكون حالاً من حال، وتلك الحال الأولى حالٌ من حالٍ أخرى. وقرأ ابن يَعْمُرَ أَشِدَّا ـ بالقصر ـ. والقَصْرُ من ضرائر الأشعار كقوله:

4497ـ لاَ بُـدَّ مِـنْ صَنْعَـا وإنْ طَـالَ السَّفَـرْ..............................

فلذلك كانت شاذة. وقال أبو حيان: وقرأ عمرو بن عبيد: ورُضْوَاناً بضم الراء قال شهاب الدين: وهذه قراءة متواترة، قرأ بها عاصمٌ في رواية أبي بكر عنهُ، وتقدمت في سورة آل عمران واستثنيت له حرفاً واحداً وهو ثاني المائدة.
فصل
معنى الآية: { أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ } أي غِلاظٌ عليهم كالأسد على فريسته، لا تأخذهم فيهم رأفة "رُحَمَاءُ بينهم" متعاطفون متوادُّون بعضهم لبعض كالوالد مع الوَلَد كقوله تعالى:
{ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [المائدة:54] و { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً } خبر عن كثرة صلاتهم ومداومتهم عليها { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ }، أن يدخلهم الجنة "وَرِضْوَاناً" أي يرضى عنهم. وهذا تمييز لركوعهم وسجودهم عن ركوع الكافر وسجوده وركوع المرائي وسجوده فإنه لا يبتغي به ذلك.
قوله: "سِيمَاهُمْ" قرىء سِيمياؤُهُمْ بياء بعد الميم والمد. وهي لغة فصيحة، وأنشد ـ (رحمة الله عليه):

4498ـ غُـلاَمٌ رَمَـاهُ اللَّهُ بالْحُسْـنِ يَافِعـاًلَـهُ سِيمْيَـاءُ لا تُشَـقُّ عَلَـى البَصَـر

وتقدم الكلام عليها وعلى اشتاقها في آخر البقرة.
و "فِي وُجُوهِهِمْ" خبر "سِيمَاهُمْ" و { مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ } حال من الضمير المستتر في الجار وهو "في وُجُوهِهِمْ". وقرأ العامة "مِن أَثْرِ" بفتحتين. وابن هرمُز بكسر وسكون. وقتادة "مِنْ آثار" جمعاً.
فصل
المعنى علامتهم في وجوههم من أثر السجود. قيل: المراد سيماهم نورٌ وبياضٌ في وجوههم يوم القيامة كما قال تعالى:
{ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [آل عمران:106]. رواه عطيةُ العَوْفيُّ عن ابن عباس: وقال عطاء بن أبي رباح والربيع بن أنس: استنارة وجوههم من كَثْرَةِ صلاتهم. وقال شهر بن حوشب: تكون مواضع السجود من وجوههم كالقمر ليلة البدر. وروى الوالبيُّ عن ابن عباس: هو السَّمْتُ الحسن والخشوعُ والتواضع وهو قول مجاهد. والمعنى أن السجود أورثهم الخشوعَ والسَّمْتَ الحسن الذي يعرفون به. وقال الضحاك: صفرة الوجوه. وقال الحسن ـ رضي الله عنه ـ: إذا رأيتهم حسبتهم مرضى وما هم بمرضى. وقال سعيد بن جبير وعكرمة: هو أثر التراب على الجِبَاه. وقيل: المراد ما يظهر في الجباه بكثرة السجود.
قوله: "ذَلِكَ مَثَلُهْمْ"، "ذلك" إشارة إلى ما تقدم من وصفهم بكونهم أشِدَّاءَ رُحَمَاءَ لهم سِيمَا في وجوههم وهو مبتدأ خبره "مَثَلُهُمْ" و "فِي التَّوْرَاةِ" حال من "مَثَلَهُمْ" والعامل معنى الإشارة.
قوله: { وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ } يجوز فيه وجهان:
أحدهما أنه مبتدأ وخبره "كَزَرْعٍ" فيوقف على قوله: "فِي التَّوْرَاةِ" فهما مَثَلانِ. وإليه ذهب أبن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ.
والثاني: أنه معطوف على "مَثَلُهُمْ" الأول فيكون مثلاً واحداً في الكتابين ويوقف حينئذ على: في الإنجِيلِ وإليه نحا مُجاهدٌ، والفراء.
وعلى هذا يكون قوله "كَزَرْعٍ" فيه أوجه:
أحدها: أنه خبر مبتدأ مضمر أي مثلهم كزرع فسر بها المثل المذكور.
الثاني: أنه حال من الضمير في "مَثَلُهُمْ" أي مُمَاثِلِينَ زَرْعاً هذِهِ صفَتُهُ.
الثالث: أنها نعت مصدر محذوف أي تمثيلاً كزرعٍ. ذكره أبو البقاء.
وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون "ذلك" إشارة مبهمةً أوضحت بقوله: "كزرع"، كقوله تعالى:
{ وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ ٱلأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ } [الحجر:66].
قوله: { أَخْرَجَ شَطْأَهُ } صفة لـ "زَرْع". وقرأ ابنُ ذَكوَان بفتح الطاء والباقون بإسكانها. وهما لغتان كالنَّهْر والنَّهَر. وقرأ أبو حَيْوة: شَطَاءَهُ بالمد. وزيد بن على: شَطَاهُ بألف صريحة بعد الطاء فيحتمل أن تكون بدلاً من الهمزة بعد نقل حركتها إلى الساكن قبلها على لغة من يقول: المِرَاةُ والكَمَاةُ بعد النقل. وهو مقيسٌ عند الكوفيين. ويحتمل أن يكون مقصوراً من الممدود. وأبو جعفر ونافع ـ في رواية ـ "شَطَهُ" بالنقل والحذف. وهو القياس. والجَحْدَريُّ شَطْوَهُ أبدل الهمزة واواً، أو يكون لغة مستقلة. وهذه كلها لغات في فِرَاخ الزرع، يقال: شَطَا الزرعُ وأَشْطَأ أي أخْرَجَ فِرَاخَهُ. وهل يختص ذلك بالحِنْطَةِ فقط أو بها وبالشعير فقط أو لا يختص؟ خلافٌ مشهور. قال الشاعر:

4499ـ أَخْـرَجَ الشَّـطْءَ عَـلَى وَجْـهِ الثَّـرَىوَمِـنَ الأَشْجَـارِ أفنـانُ الثَّمَــرْ

قوله: "فآزَرَهُ" العامة على المد وهو على "أَفْعَلَ". وَغَلَّطوا من قال: إنه فاعل كَجَاهَرَ وغَيْرِه بأنه لم يسمع في مضارعه: يُؤَازِرُ على يؤزر. وقرأ ابن ذكوان: فَأَزَرَه مَقصُوراً، جعله ثلاثياً. وقرىء "فأزَّرَهُ" بالتشديد. والمعنى في الكل: قوّاه. وقيل: ساواه، وأنشد:

4500ـ بِمَحْنِيَــةٍ قَدْ آزَرَ الضَّـال نَبْتُهَـامَجَــرَّ جُيُــوشٍ غَانِمِيــنَ وَخُيَّــبِ

قوله: "عَلَى سُوقِهِ" متعلق بـ "اسْتَوَى". ويجوز أن يكون حالاً أي كائناً على سوقه أي قائماً عليها.
وقد تقدم في النمل أنَّ قُنبلاً يقرأ سُؤْقِهِ بالهمزة الساكنة. كقوله:

4501ـ أَحَـبُّ المُؤْقِدِينَ إلَــيَّ مُــؤْسَـى.................................

وبهمزة مضمومة بعدها واو كعروج وتوجيه ذلك. والسُّوق جمع سَاقٍ.
"فصل".
قال المفسرون: يقال: أشطأ الزرع فهو مُشْطِىء إذا خَرَجَ. قال مقاتل: هو نبت واحد فإذا خرج بعده فهو شطء. وقال السُّديّ: هو أن يخرج معه الطاقة الأخرى "فَآزَرَهُ" قَوَّاهُ وأَعَانَهُ وشدَّ أزره "فَاسْتَغْلَظَ" غَلُظَ ذلك الزرع "فَاسْتَوَى" تَمَّ وَتَلاَحَقَ نَبَاتُهُ عَلَى سُوقِهِ أصوله: "يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ" أي أعجب ذلك زُرَّاعَهُ هذ مثل ضربهُ الله لأصحاب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الإنجيل أنهم يكونوا قَليلاً ثم يَزْدَادُونَ وَيكْثُرُونَ. قال قتادة: مَثَلُ أصحاب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الإنجيل مكتوب له سيخرج قومٌ يَنْبتُونَ نبات الزرع يأمُرون بالمعروف وينهوْن عن المنكر. وقيل: الزرع ـ محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ والشطء أصحابه والمؤمنون. روى مبارك بن فُضَالة عن الحَسَن قال: محمد رسول الله والذين معه: أبو بكر الصديق { أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ } عمر بن الخطاب { رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } عثمان بن عفان { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً } علي ابن أبي طالب "يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ رَبِّهِمْ" العشرة المبشرن "كَمَثَلِ زَرْعٍ" محمد { أَخْرَجَ شَطْأَهُ } أبو بكر { فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ } عثمان (بن عفان) يعني استغلظ عثمان بالإسلام { فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ } علي بن أبي طالب استقام الإسلام بسيفه { يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ } قال: المؤمنون { لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ } فعل عمر لأهل مكة بعدما أسلم لا يُعبد الله سرًّا بعد اليوم. روى أنس بن مالك:ـ رضي الله عنه ـ عن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:
"أَرْحَمُ (أصْحَابِ) النَّبِيِّ أبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حُبًّا عُثْمَانُ وَأَفْرَضُهُمْ زيدٌ، وَأَقْوَأُهُمْ أبيٌّ، وَأَعْلَمُهُمْ بالحلال وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَلِكُلِّ أُمَّة أَمِينٌ وَأَمِين هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ، وفي رواية أخرى: وَأَقْضَاهُمْ عَلِيٌّ" . وروى بريدةُ عن النَّبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "مَنْ مَاتَ مِنْ أَصْحَابِي بِأَرْض كان نُورَهُمْ وَقَائِدَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" .
قوله: { يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ } حال أي معجباً. وهنا تم المَثَلُ.
قوله: "لِيَغِيظَ" فيه أوجهٌ:
أحدها: أنه متعلق بـ "وَعَدَ"؛ لأن الكفار إذا سمعوا بعزِّ المؤمنين في الدنيا وما أعد لهم في الآخرة غَاظَهُمْ ذلك.
الثاني: أن يتعلق بمحذوف دل عليه تشبيهُهُمْ بالزرع في نمائِهِمْ وتقويتهم. قاله الزمخشري، أي شبههم الله بذلك ليغيظ.
الثالث: أن يتعلق بما دل عليه قوله: { أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ.... } إلى آخره أي جعلهم بهذه الصفات ليغيظ.
قال مالك ابن أنس ـ (رضي الله عنه) ـ "مَنْ أصْبَحَ فِي قَلْبِهِ غَيْظٌ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فَقَدْ أَصَابَتْهُ هَذِهِ الآيَةُ". وقال ـ عليه الصلاة السلام ـ:
"اللهَ اللهَ فِي أَصْحَابِي لاَ تَتَّخِذُوهُمْ عَرَضاً بَعْدِي، فَمَن أحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ, وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ وَمَنْ أذَاهُمْ فَقَدَ أَذَانِي وَمَنْ أَذَانِي فَقَدْ أَذَى الله فَيُوشِكُ أَنْ يَأخُذَهُ" . وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: "لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدهِم وَلاَ نَصِيفَهُ" .
قوله: { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم } "مِنْ" هذه للبيان، لا للتبعيض؛ لأن كلهم كذلك فهي كقوله: { فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ } [الحج:30]. وقال الطبري: منهم يعني من الشطء الذي أخرج الزرع، وهم الداخلون في الإسلام إلى يوم القيامة، فَأَعَادَ الضمير على معنى الشطء لا على لَفْظِهِ فقال: "مِنْهُمْ" ولم يقل: مِنْه وهو معنًى حَسَنٌ.
فصل
قد تقدم الكلام على الأجر العظيم والمغفرة مراراً. وقال ههنا في حق الراكعين السَّاجدين: إنهم يَبْتَغُونَ فضلاً من الله ورِضْواناً وقال: "لهم أجر" ولم يقل: لهم ما يطلبو (نَـ) ـه من الفضْل؛ لأن المؤمن عند العمل لم يلتَفِتْ إلى عمله ولم يجعل له أجراً يعتدّ به فقال: لا أبتغي إلا فضلك فإن عملي نَزْرٌ لا يكون له أجرٌ والله تعالى آتاه من طلب الفضل، وسماه أجراً إشارةً إلى قبوله عمله ووقوعه الموقع.
روى أنه من قرأ في أول ليلة من رمضان: إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً فِي التَّطَوع حُفِظَ في ذلك العام (انتهى).(اللَّهم إِنِّي أَسْأَلُكَ رِضَاكَ والْجَنَّة وأَعوذُ بك من سَخَطِكَ والنَّارِ).