خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَآلُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
١٧
-المائدة

اللباب في علوم الكتاب

وهمُ اليَعْقُوبيَّة من النَّصارى، يقولون: المَسِيحُ هو الله، وهذا مذهب الحُلوليَّة، فإنَّهُم يَقُولُون: إنَّ الله تعالى قد يَحِلُّ في بدن إنْسَان معيَّن أو في رُوحِهِ، ثم إنَّه تعالى احَتَّج على فَسَادِ هذا المذْهَب بقوله تعالى: { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً }.
قوله تعالى: { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ } [الفاء عاطِفةٌ هذه الجملة على جُمْلة مقدَّرة قبلها، والتقدير: قل كَذَبُوا، أو ليس الأمْر كذلك فَمَن يَمْلِك؟] وقوله: "مِنَ الله" فيه احتمالان:
أظهرهما: أنَّه متعلِّقٌ بالفِعْلَ قَبْلَه.
والثاني: ذكره أبُو البقاء: أنَّه حالٌ من "شَيئاً"، يعني: من حَيْثُ إنَّه كان صِفَةً في الأصْلِ للنَّكرة، فقدَّم عليها [فانْتَصَب حالاً]، وفيه بُعْدٌ أو مَنْعٌ.
وقوله "فَمَنْ" استفهامُ تَوْبِيخٍ وتقرير وهو دالٌّ على جواب الشَّرْط بعدَهُ عند الجُمْهُور.
قوله: { إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } وهذه جُمْلَةٌ شرطيَّةٌ قُدِّم فيها الجزاءُ على الشَّرْط، والتَّقْدير: إن أرَاد أن يَهْلِكَ المسيحَ ابن مَرْيَم وأمَّهُ ومن في الأرض جميعاً فمن الذي يقدر أن يَدْفَعَهُ عن مُرَادِهِ ومَقْدُوره.
وقوله: { فَمن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً } أي: فَمَنْ يَمْلِكُ من أفْعَال الله شَيْئاً، والمُلْكُ هو القُدْرة، أي: فمن الذي يَقْدِر على دَفْعِ شَيْءٍ من أفْعال الله.
وقوله { ومَنْ في الأَرْضِ جَمِيعاً }، يعني: أنَّ عيسى مُشَاكِلٌ من في الأرْض في القُدْرة والخِلْقَة والتَّركيب وتغْيِير الأحوال والصِّفات، فلما سلّمتم كَوْنَهُ تعالى خَالِقاً للكُلِّ، وَجَبَ أن يكون خَالِقاً لِعيسى.
قوله: { ومَنْ فِي الأَرْضِ } من باب عَطْفِ التَّامِّ على الخاصِّ، حتى يبالغ في نفي الإلهيَّة عنهما، فكأنَّه نَصَّ عليهما مَرَّتَيْن؛ مرَّة بذِكْرِهما مُفْرَدَيْن، ومرَّة بانْدِرَاجِهما في العُمُوم.
و"جمِيعاً": حالٌ من المسيحِ وأمّه ومَنْ في الأرض، أو مِنْ "مَنْ" وحدَهَا لعُمُومها.
ويجُوز أن تكون مَنْصُوبَةً على التَّوْكِيد مثل "كل"، وذكرهَا بعض النُّحاة من ألْفَاظ التوكيد.
ثم قال: { وللَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ والأرْض } ثم قال: "ومَا بَيْنَهُمَا"، ولم يقل: بَيْنَهُنَّ؛ لأنَّه ذهب بذلك مذهب الصِّنْفَيْن والنَّوْعَيْن.
وقوله: { يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } جُمْلَة لا مَحَلَّ لها من الإعْراب لاستِئْنَافِها، وفي مَعْنَاها وجْهان:
الأول: يَخْلُقُ ما يشاء، فتارة يخلق الإنسان من ذكر وأنْثَى كما هو مُعْتَاد، وتارة لا من الأب والأم كما في [حقِّ آدم]، وتارة من الأمِّ لا من الأب كما في حقِّ عيسى - عليه السلام -.
والثاني: { يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } يعني: أنَّ عيسى إذا قدر صور الطير من الطِّين، فالله يَخْلُقُ فيه الحَيَاة والقُدْرَة مُعْجِزةً لِعيسَى، وتارَةً يُحْيِي المَوْتَى، وتارة يُبْرِىء الأكْمَهَ والأبْرَص مُعْجِزةٌ لَهُ، [ولا اعتراض على الله] في شيء من أفَعْالِهِ، { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.