خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِآيَٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ
١٠٣
-الأعراف

اللباب في علوم الكتاب

اعلم أنَّ الكناية في قوله: "مِنْ بَعْدِهِمْ" يجوز أنْ تعود إلى الأنبياء الذين جرى ذكرهم وهم: نُوحٌ، وصالحٌ، وشعيبٌ وهود ويجوز أن تعود إلى الأمم الذين تقدَّم إهلاكهم.
وقوله: "بآياتنا" أي بأدلَّتِنَا ومعجزاتنا، وهذا يَدُلُّ على أنَّ النبي لا بد له من آية ومعجزة يتميز بها عن غيره، وإلا لم يكن قوله أولى من قول غيره.
قال ابن عباس: أوَّلُ آياته العَصَا ثم اليَدُ، ضرب بالعصا باب فرعون فَفَزِعَ منها فشاب رَأسَهُ، فاسْتَحْيَا فخضب بالسَّوادِ، فهو أوَّلُ من خضب، قال: وآخر الآيات الطَّمْسُ، قال: وللعصا فوائِدُ:
منها ما هو مذكور في القرآن كقوله:
{ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّؤُاْ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } [طه: 18]، وقوله: { ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً } [البقرة: 60]، { ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } [الشعراء: 63].
وذكر ابن عباس أشياء أخرى: منها أنَّهُ كان يغرسها فتنبت كالثمر وانقلابها ثعباناً وكان يحارب بها اللُّصوص والسباع التي كانت تقصد غنمه.
ومنها أنَّها كانت تشتعل في الليل كالشَّمْعَةِ ومنها أنَّها كانت تصيرُ كالحَبْلِ الطَّويلِ فينزح الماء من البئر العميقة.
ومنها أنَّهُ كان يضربُ بها الأرْضَ فَتَنْبُتُ.
واعلم أنَّ المذكور في القرآن مَعْلُومٌ، وأمَّا المذكور في غير القرآن فإن ورد في خبر صحيح فهو مقبول، وإلاَّ فلا. قوله: "فَظَلَمُوا بها" يجوز أن يضمن "ظَلَمُوا" معنى "كَفَرُوا" فيتعدَّى بالياء كتعديته ويؤيده
{ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان: 13]، ويجوز أن تكون "الباء" سببيّة والمفعول محذوف تقديره: فظلموا أنْفُسَهُم وظلموا النَّاسَ بمعنى صدوهم عن الإيمان بسبب الآيات.
والظُّلْمُ: وضع الشَّيءِ في غير موضعه فظلمهم: وضع الكُفْرِ موضع الإيمان.
قوله: { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ } "كَيْفَ" خبر لـ "كان" مقدَّمٌ عليها واجب التَّقديمِ؛ لأنَّ له صدر الكلام، و "عَاقِبَة" اسمها وهذه الجملة الاستفهامية في محلّ نصب على إسْقَاطِ حرف الجرِّ إذ التقديرُ: فانظر إلى كذا، والمعنى: فانْظُرْ بعين عقلك كيف فعلنا بالمفسدين.