خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ
١٤٤
وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ
١٤٥
-الأعراف

اللباب في علوم الكتاب

قوله: { يَٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ }. الاصطفاء: استخلاص الصَّفْوَةِ أي: اخترتك واتَّخذتك صفوة على النَّاس.
قال ابنُ عبَّاسٍ: "فَضَّلْتُكَ على النَّاسِ". قرأ ابن كثير، وأبو عمرو إنِّيَ بفتح الياء، وكذلك
{ أَخِي ٱشْدُدْ } [طه: 31،30].
قوله برسالاتي أي: بسبب.
وقرأ الحرميَّان: برِسالتِي بالإفراد، والمُرادُ به المصدر، أي: بإرْسَالي إيَّاك، ويجوزُ أن يكون على حذفِ مضاف، أي: بتبليغ رسالتي. والرِّسالةُ: نَفْسُ الشَّيء المرسل به إلى الغير.
وقرأ الباقون بالجمع اعتباراً بالأنواعِ، وقد تقدَّم ذلك في المائدةِ والأنعام.
قال القرطبيُّ: ومن جمع على أنه أرسل بضروب من الرسالةِ فاختلف أنواعها، فجمع المصدر لاختلاف أنواعه؛ كقوله:
{ إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ } [لقمان: 19] واختلاف المصوتين، ووحَّدَ في قوله: لصوتُ لما أراد به جنساً واحداً من الأصوات.
قوله: "وَبِكلامِي" هي قراءة العامَّةِ، فيحتملُ أن يُرادَ به المصدرُ، أي: بتكليمي إيَّاكَ، كقوله:
{ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً } [النساء: 164] وقوله: [الطويل]

2569 -........................ تُكَلِّمنِي فيها شِفَاءٌ لِمَا بِيَا

أي: بتكليمي إيَّاهَا، ويحتملُ أن يراد به التَّوراة، وما أوحاه إليه من قولهم للقرآن "كلامُ الله" تسميةً للشيء بالمصدر. وقدَّم الرِّسالةَ على الكلام؛ لأنَّها أسبق، أو ليترقَّى إلى الأشرفِ، وكرَّر حرف الجرِّ، تنبيهاً على مغايرة الاصطفاء.
وقرأ الأعمش: "بِرِسَالاتِي وبِكلمِي" جمع "كلمة" وروى عنه المهدويُّ أيضاً "وتكليمي" على وزن التَّفعيل، وهي تؤيِّدُ أنَّ الكلامَ مصدرٌ.
وقرأ أبو رجاء "بِرِسالتِي" بالإفراد و"بِكَلِمي" بالجمع، أي: وبسمَاع كلمي.
فصل
لما طلب موسى - عليه الصَّلاة والسَّلام - الرؤية ومنعه الله تعالى، عدد عليه وجوه نعمه العظيمة، وأمره بشكرها.
كأنَّهُ قال له: إن كنت قد منعتك الرؤية فقد أعطيتك من النِّعَمِ العظيمة كذا وكذا، فلا يضيقُ صدرُكَ بسبب منع الرُّؤيةِ، وانظر إلى أنواع النِّعمِ التي خَصَصْتُك بها واشتغل بشكرها، والمراد: تسليةُ موسى - عليه الصلاة والسلام - عن منع الرؤية.
فإن قيل: كيف اصطفاهُ على النَّاسِ برسالاته مع أنَّ كثيراً من النَّاسِ قد سَاوَاهُ في الرسالةِ؟ فالجوابُ: أنَّهُ تعالى بيَّن أنَّهُ خصَّهُ من دون النَّاسِ بمجموع الأمرين: وهو الرسالة مع الكلام بغير واسطة، وهذا المجموعُ لم يحصل لغيره، وإنَّما قال: "عَلَى النَّاسِ" ولم يقل: على الخلق؛ لأنَّ الملائكة تسمع كلام اللَّهِ من غير واسطة كما سمعه موسى.
قال القرطبيُّ: "وَدَلَّ هذا على أنَّ قومه لم يشاركه أحدٌ منهم في التَّكليم ولا أحد من السَّبعين".
قوله: { فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ } أي: اقْنَعْ بما أعطيتك. { وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ }، أي: المظهرين لإحسانِي إليك، وفضلي عليك.
يقال: دَابَّةٌ شكورٌ، إذا ظهر عليها من السِّمن فوق ما تُعْطَى من العَلَف، والشَّاكِرُ متعرض للمزيد؛ كما قال تعالى:
{ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } [إبراهيم: 7].
قوله تعالى: { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً }. قوله: في الألْوَاحِ يجوز أن تكون لتعريف الماهيَّةِ، وأن تكون للعهد؛ لأنَّهُ يروى في القصَّة أنَّهُ هو الذي قطَّعَهَا وشقَّقَهَا.
وقال ابنُ عطيَّة أل عوض من الضمير، تقديره: في ألواحه، وهذا كقوله:
{ فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } [النازعات: 41] أي: مأواه. أمَّا كون أل عوضاً من الضَّمير فلا يعرفه البصريون. وأمَّا قوله: { فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } فإنَّا نحتاجُ فيه إلى رابطٍ يَرْبِطُ بين الاسم والخبر، والكوفيون: يجعلون أل عوضاً من الضمير. والبصريون: يُقَدِّرُونَهُ، أي: هي المأوى له، وأما في هذه الآية فلا ضرورة تدعو إلى ذلك.
وفي مفعول "كتبنا" ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنَّهُ "موعِظَةً"، أي: كتبنا له مَوْعِظَةً وتفْصِيلاً. و { مِنْ كُلِّ شَيْءٍ } على هذا فيه وجهان، أحدهما: متعلِّقٌ بـ "كَتَبْنَا" والثاني: أنَّهُ متعلِّقٌ بمحذوف؛ لأنَّهُ في الأصلِ صفةٌ لـ "مَوْعِظَةً" فلمَّا قُدِّم عليها نُصِبَ حالاً، و "لِكُلِّ شيءٍ" صفة لـ "تفصيلاً".
والثاني: أنَّهُ { مِنْ كُلِّ شَيْءً }.
قال الزمخشريُّ { مِنْ كُلِّ شَيْءٍ } في محل نصب مفعول "كَتَبْنَا"، و "مَوعِظَةً وتفْصِيلاً" بدل منه، والمعنى: كَتَبْنَا له كُلَّ شيءٍ كان بنو إسرائيل يَحْتَاجُونَ إليه في دينهم من المواعظِ، وتفصيل الأحكامِ وتفصيل الحلالِ والحرامِ.
الثالث: أنَّ المفعول محل المجرور.
وقال أبُو حيَّان - بعد ما حكى الوجه الأول عن الحوفي والثَّاني عن الزمخشري -: ويُحْتَمَلُ عندي وجهٌ ثالثٌ، وهو أن يكونَ مفعولُ "كَتَبْنَا" موضع المجرور، كما تقولُ: "أكلت من الرغيف" و "مِنْ" للتبعيض، أي: كتبنا له أشياء من كُلِّ شيء، وانتصب "مَوْعظَةً وتَفْصِيلاً" على المفعول من أجله، أي: كتبنا له تلك الأشياءَ للاتِّعاظِ وللتفصيل.
قال شهابُ الدِّينِ: "والظَّاهِرُ أنَّ هذا الوجه هو الذي أراده الزَّمخشري، فليس وجهاً ثالثاً".
قوله: "بِقُوَّةٍ" حالٌ: إمَّا من الفاعل، أي: ملتبساً بقوة، وإمَّا من المفعول، أي: ملتبسه بقوة، أَي: بقوَّةِ دلائلها وبراهينها، والأول أوضح. والجملةُ من قوله: "فَخُذْهَا" يُحتمل أن تكون بدلاً من قوله { فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ } وعاد الضَّميرُ على معنى "ما" لا على لفظها. ويحتمل أن تكونَ منصوبة بقول مضمر، ذلك القولُ منسوقٌ على جملة "كَتَبْنَا" والتقديرُ: وكتبنا فقلنا: خُذْهَا، والضَّميرُ على هذا عائدٌ على الألواحِ أو على التَّوراةِ، أو على الرِّسالاتِ، أو على كُلِّ شيءٍ؛ لأنَّهُ في معنى الأشياء.
قال القرطبيُّ: "فكأنَّ اللَّوحَ تلوح فيه المعاني. ويقال: رجل عظيم الألواح إذا كان كبيرَ عظم اليدين، والرِّجليْنِ".
فصل
قال الكلبيُّ: خَرَّ مُوسَى صَعِقاً يوم الخميس يوم عرفة، وأعطي التَّوراة يوم الجمعةِ يوم النَّحر، واختلفوا في عدد الألواح وجوهرها فقيل: كانت عشرة، وقيل سبعة.
وقيل: إنَّها لوحان.
وقال الواحديُّ: كانت من زُمُردَة.
وقيل: من زبرجدة خضراء، وقيل: ياقوتة، وقيل: من خشب سور الجنَّةِ طول كل لوح اثني عشرة ذراعاً.
وقال وهْبٌ: من صخرة صَمَّاء لَيَّنَهَا اللَّهُ لِمُوسَى.
قيل: رفع سبعها وبقيت ستة أسباعها، وكان في الذي رفع تفصيل كلِّ شيء وفي الذي بقي الهدى والرحمة، وليس في الآية ما يدلُّ على شيء من ذلك، ولا على كيفية الكتابة فإن ثبت في ذلك شيء بدليل منفصل قويٍّ وجب القولُ به، وإلاّ وجب السُّكوت عنه. وأمَّا قوله مِن كُلِّ شيءٍ فليس على العموم، بل المراد من كلِّ شيء يحتاجُ موسى وقومه إليه في دينهم.
وقوله: { مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ } فهو كالبيانِ للجملة التي قدمها بقوله: { مِن كُلِّ شَيْءٍ } ثم قال: "فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ" أي: بعزيمةٍ قويةٍ ونيَّةٍ صادقةٍ.
قوله: { وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا }. الظَّاهِرُ أنَّ يأخُذُوا مَجْزُومٌ جواباً للأمرِ في قوله وأمْرُ ولا بدَّ من تأويله، لأنَّه لا يلزمُ مِنْ أمره إيَّاهم بذلك أن يأخُذُوا، بدليل عصيانِ بعضهم له في ذلك، فإنَّ شَرْطَ ذلك انحلال الجملتين إلى شرطٍ وجزاءٍ.
وقيل: الجزمُ على إضمار اللاَّمِ تقديره: ليأخُذُوا؛ كقوله: [الوافر]

2570 - مُحَمَّدُ تَفْدِ نَفْسَكَ كُلُّ نَفْسٍ إذَا مَا خِفْتَ مِنْ أمْر تبالاَ

وهو مذهبُ الكسائي.
وابن مالك يرى جوازه إذا كان في جواب "قُلْ"، وهنا لم يُذْكَرْ "قُلْ"، ولكن ذُكر شيءٌ بمعناه؛ لأنَّ معنى "وأمُرْ" و "قُلْ" واحد.
قوله: "بِأحْسَنِهَا" يجوزُ أن يكونَ حالاً كما تقدَّم في: "بِقُوَّةٍ"، وعلى هذا فمفعولُ "يَأخُذُوا" محذوفٌ تقديرُه: يَأخُذُوا أنفسهم، ويجُوزُ أن تكون الباء زائدة، وأحسنها مفعول به، والتقديرُ: يأخُذُوا أحسنها كقوله: [البسيط]

2571 -........................... سُودُ المَحَاجِرِ لا يَقْرَأنَ بالسُّوَرِ

وقد تقدَّم تحقيقه في قوله تعالى: { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ } [البقرة: 195].
و "أحسن" يجوز أن تكون للتَّفضيل على بابها، وأن لا تكون بل بمعنى "حَسَنَة".
كقول الفرزدق: [الكامل]

2572 - إنَّ الذي سَمَكَ السَّماءَ بَنَى لَنَا بَيْتاً دَعَائِمُهُ أعَزُّ وأطْوَلُ

أي: عزيزةٌ طويلةٌ.
فإن قيل: إنَّه تعالى لمَّا تعهد بكلِّ ما في التَّوراة، وجب أن يكون الكلُّ حسناً.
وقوله: { يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا
} يقتضي أن يكون فيه ما ليس بأحسن، وأنَّهُ لا يجوزُ لهم الأخذ به وهو متناقض.
وأجابُوا بوجوه: منها: أنَّ تلك التَّكاليفَ منها ما هو حسن، ومنها ما هو أحسن كالقصاص والعفو، والانتصار، والصبر، أي: فمرهم أن يأخُذُوا بالأفضل فإنَّه أكثر ثواباً، لقوله:
{ وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـم } [الزمر: 55] وقوله: { ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } [الزمر: 18].
قالوا: فيحمل الأخذ بالأحسن على النَّدب.
ومنها: قال قُطْرُبٌ:
{ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا } أي: بحسنها، وكلها حسن؛ كقوله تعالى:
{ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } [العنكبوت: 45] وأنشد بيت الفرزدق المتقدم. ومنها: أن الحسن يدخلُ تحته الواجب، والمندوب، والمباح وأحسن هذه الثلاثة: الواجبُ، والمندوبُ.
قوله: { سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ } جَوَّزُوا في الرُّؤية هنا أن تكون بصريَّةً، وهو الظَّاهِرُ فتتعدَّى لاثنين، أحدهما: ضمير المخاطبين، والثاني: دَارَ.
والثاني: أنَّها قلبية، وهو منقولٌ عن ابن زيد وغيره، والمعنى: سأعْلِمُكُمْ سَيْرَ الأولين وما حَلَّ بهم من النَّكَالِ: وقيل: "دَارَ الفاسِقِينَ" ما دَارَ إليه أمرهم، وذلك لا يُعْلم إلا بالإخبار والإعلام.
قال ابْنُ عطيَّة - معترضاً على هذا الوجه -: ولَوْ كَانَ من رؤية القلب، لتعدَّى بالهمزة إلى ثلاثةِ مفاعيل.
ولو قال قائل: المفعولُ الثالثُ يتضمنه المعنى، فهو مُقَدَّرٌ أي: مذمومة أو خربة أو مُسَعَّرة - على قول من قال: إنَّهَا جهنم - قيل له: لا يَجُوزُ حذفُ هذا المفعولِ، ولا الاقتصارُ دُونَهُ، لأنَّهَا داخلةٌ على الابتداءِ والخبرِ، ولو جُوِّزَ لكان على قبح في اللِّسان، لا يليق بكتاب الله تعالى.
قال أبُو حيان: "وحَذْفُ المفعُول الثَّالث في باب "أعْلَمَ" لدلالة المعنى عليه جائزٌ، فيجوزُ في جواب: هل أعلمتَ زَيْداً عمراً منطلقاً؟ أعلمتُ زيداً عمراً، وتحذف "منطلقاً" لدلالة الكلام السَّابق عليه".
فصل
قال شهابُ الدِّين: هذا مُسَلَّمٌ، لكن أيْنَ الدَّليل عليه في الكلام، كما في المثال الذي أبرزه الشَّيْخُ؟
ثم قال: "وأمَّا تَعْليلُهُ بأنَّهَا داخلةٌ على الخَبَرِ لا يدلُّ على المنع، لأنَّ خبر المبتدأ يجوزُ حَذْفُهُ اختصاراً، والثانِي، والثَّالِثُ في باب "أعْلَمَ" يَجُوزُ حذفُ كُلٍّ منهما اختصاراً".
قال شهابُ الدِّين: "حذفُ الاختصار لدليلٍ، ولا دليلَ هُنَا".
ثم قال: "وفي قوله لأنَّهَا - أي: "سَأريكُمْ" - داخلةٌ على المبتدأ، والخبر تجوُّزٌ" ويعني أنَّها قبل النَّقْل بالهمزة داخلة على المبتدأ والخبر. وقرأ الحسن: "سَأوريكُمْ" بواو خالصة بعد الهمزة وفيها تخريجان: أحدهما قاله الزمخشريُّ -: "وهي لغةٌ فاشية بالحجاز يُقَالُ: أوْرَنِي كَذَا وأوْرَيْتُهُ، فوجهه أن يكون من أوْرَيْتُ الزَّنْدَ، فإن المعنى: بَيِّنْهُ لي وأنِزْهُ لأستبينَه".
والثاني: - ذكره ابنُ جنيٍّ - وهو أنَّهُ على الإشباع، فيتولَّد منها الواو، قال "وناسَبَ هذا كونُهُ موضعَ تهديدٍ ووعيدٍ فاحتمل الإتيان بالواو".
قال شهابُ الدِّين: وهذا كقول الشاعر: [البسيط]

2573 - اللَّهُ يَعْلَمُ أنَّا فِي تَلَفُّتِنَا يَوْمَ اللِّقاءِ إلى أحْبَابِنَا صُورُ
وأنَّنِي حَيْثُمَا يُثْني الهَوَى بَصَرِي مِنْ حَيْثُمَا سَلَكُوا أدْنُو فأنْظُورُ

لكن الإشباعَ بابُهُ الضَّرُورَةُ عند بعضهم. وقرأ ابنُ عبَّاسٍ، وقسامة بن زيد "سَأورثُكُمْ" قال الزمخشريُّ: وهي قراء حسنةٌ، يصحِّحُهَا قوله تعالى: { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ } [الأعراف: 137].
فصل
في قوله: { سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ } وجهان: الأول: أنَّ المُرادَ به التهديدَ والوعيد وعلى هذا ففيه وجهان:
أحدهما: قال ابن عباس والحسنُ ومجاهدٌ: هي: جهنم وهي مصيرهم في الآخرة، فاحْذَرُوا أن تكونوا منهم.
وثانيهما: قال قتادةُ وغيره: سأدخلكم الشَّام؛ فأريكم منازل القُرُون الماضيةِ مثل الجبابرةِ، والعمالقةِ، ومنازل عادٍ وثَمُودَ الذين خالفُوا أمْرَ اللَّهِ لتعتبروا بها.
الوجه الثاني: المُرَادُ به الوعد والبشارة بأنَّ الله تعالى سيوِّرثُهم أرض أعدائهم وديارهم وهي أرض مصر، قالهُ عطيةُ العوفيُّ؛ ويدلُّ عليه قراءة قسامة.
وقال السُّدِّيُّ: هي مصارع الكفار.