خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
١٧١
-الأعراف

اللباب في علوم الكتاب

قوله تعالى: { وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ } الآية.
قال أبو عبيدة: النَّتْقُ: قلعُ الشيء من موضعه، والرَّمْيُ به، ومنه: نَتَقَ ما في الجراب إذا نفضه فرمى ما فيه، وامرأة ناتِقٌ، ومِنْتَاقٌ: إذا كانت كثيرة الولادة، وفي الحديث: "عليْكُمْ بزواج الأبْكارِ، فإنَّهُنَّ أطْيَبُ أفواهاً، وأنْتَقُ أرْحاماً، وأرضى باليسَيرِ".
وقيل: النَّتق: الجَذْبُ بشدة. ومنه: نتقْتُ السِّقَاء إذا جذبْتَهُ لتقتلعَ الزُّبدْةَ من فم القرية.
قال الفرَّاءُ: "هو الرفعُ" وقال ابن قتيبة: الزَّعْزَعَةُ، وبه فَسَّرَهُ مجاهد.
وقال النَّابغة: [الكامل]

2614 - لَمْ يُحْرَمُوا حُسنَ الغذَاءِ وأمُّهُمْ طَفَحَتْ عليْكَ بِنَاتِقٍ مِذْكَارِ

وكلُّها معانٍ متقاربة.
قوله: "فَوقَهُمْ" فيه وجهان:
أحدهما: هو متعلِّقٌ بمحذوف، على أنَّه حال من الجَبَل وهي حالٌ مقدرة؛ لأنَّ حالةَ النَّتْق لم تكن فوقهم، لكن بالنَّتْق صار فوقهم.
والثاني: أنه ظرفٌ لـ: نَتَقْنَا قاله الحوفيُّ وأبو البقاءِ.
قال أبو حيان: ولا يمكن ذلك، إلاَّ أن يُضَمَّن معنى فِعْلٍ يمكن أن يعمل في فَوقَهُمْ أي: رفعنا بالنَّتْقِ الجبل فوقهم، فيكون كقوله:
{ وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ ٱلطُّورَ } [النساء: 154]. فعلى هذا يكون فَوقَهُمْ منصوباً بـ "نتق" لا بمعنى رفع.
قوله: "كأنَّهُ ظُلَّةٌ" في محل نصبٍ على الحالِ من "الجَبَل" أيضاً فتتعدَّد الحال.
وقال مكيٌّ: هي خبر مبتدأ محذوف، أي: هو كأنه ظُلَّة وفيه بُعد. والظُّلَّة: كل ما أظلك. قال عطاءٌ: سقيفة.
قوله وَظَنُّوا فيه أوجه:
أحدها: أنَّهُ في محل جرٍّ نسقاً على نَتَقْنَا المخفوض بالظَّرف تقديراً.
والثاني: أنه حال و "قد" مقدرةٌ عند بعضهم، وصاحبُ الحالِ إمَّا: الجبل أي: كأنَّهُ ظُلَّةٌ في حال كونه مظنوناً وقوعه بهم، ويضعف أن يكون صاحبُ الحال: هُمْ في: فَوْقَهُمْ.
الثالث: أنه مستأنف، فلا محلَّ له، والظنُّ هنا على بابه.
قال أهل المعاني: قوي في نفوسهم ويجوز أن يكون بمعنى اليقين.
قال المفسِّرُون: علموا وأيقنوا أنَّهُ واقع بهم والباء على بابها أيضاً.
قيل: ويجوز أن تكون بمعنى "على".
قوله: { خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ } أي:
وقلنا لهم خذوا ما أتيناكم بقوة بجد واجتهاد.
روي أنهم لمَّا أبوا قبول أحكام التوراة لثقلها رفع الله الطور على رءوسهم مقدار عسكرهم وكان فرسخاً في فرسخ.
وقيل لهم إن قبلتموها بما فيها وإلاَّ ليقعن عليكم، فلمَّا نظروا إلى الجبل خَرَّ كل واحد منهم ساجداً على جانبه الأيسر وهو ينظر بعينه اليمنى خوفاً من سقوطه، فلذلك لا ترى يهوديًّا سجد إلا على جانبه الأيسر، ويقولون: هي السَّجدة التي رفعت عنَّا بها العقوبة.
قوله واذكُرُوا العامَّةُ على التخفيف أمْراً من: ذَكَرَ يَذْكُرُ والأعمش واذَّكَرُوا بتشديد الذال من الأذّكار، والأصل: اذتكرُوا، والاذتكار، تقدم تصريفه.
وقرأ ابن مسعود تذكَّرُوا من: "تذكَّر" بتشديد الكاف.
وقرىء وتذَّكَّروا بتشديد الذال والكاف والأصل: ولتتذكَّرُوا فأدغمت التاء في الذال، وحُذِفَتْ لامُ الجزم كقوله: [الوافر]

2615 - مُحَمَّدُ تَفْدِ نَفْسَكَ كُلُّ نَفْسٍ ..........................

فصل
قال ابنُ عبَّاس وغيره: لمَّا أخذ موسى الألواح وأتى بها إلى بني إسرائيل، وفيها التوراة أمرهم بقبولها، والأخذ بها بقوة.
فقالوا: انشرها علينا، فإن كانت أوامرها ونواهيها سهلة قبلناها.
فقال: بل اقبلوها بما فيها فراجعوه مراراً، فأمر اللَّهُ الملائكة، فرفعوا الجبل على رءوسهم حتى صار كأنَّهُ ظُلَّةٌ أي: غمامة فوق رءوسهم.
وقيل لهم إن لم تقبلوها بما فيها وإلاَّ سقط هذا الجبلُ عليكم؛ فقبلوها، وأمروا بالسُّجود؛ فسجدوا وهم ينظرون إلى الجبل بشق وجوههم فصارت سنة اليهودِ إلى اليوم.
ويقولون: لا سَجْدَةَ أعظم من سجدةٍ رفعت عنا العذاب.