خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ
٣٢
وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ
٣٣
وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ
٣٤
كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ
٣٥
-الأنبياء

نظم الدرر في تناسب الآيات والسور

ولما دلهم بالسماوات والأرض على عظمته، ثم فصل بعض ما في الأرض لملابستهم له، وخص الجبال لكثرتها في بلادهم، أتبعه السماء فقال: { وجعلنا } أي بعظمتنا { السماء } وأفردها بإرادة الجنس لأن أكثر الناس لا يشاهدون منها إلا الدنيا ولأن الحفظ للشيء الواحد أتقن { سقفاً } أي للأرض لا فرق بينها وبين ما يعهد من السقوف إلا أن ما يعهد لا يسقط منه إلا ما يضر، وهذه مشحونة بالمنافع فأكثر ما ينزل منها ما لا غنى للناس عنه من الآت الضياء وعلامات الاهتداء والزينة التي لا يقدر قدرها.
ولما كان ما يعرفون من السقوف على صغرها لا تثبت إلا بالعمد، ويتمكن منه المفسدون، وتحتاج كل قليل إلى إصلاح وتعهد، بين أن هذا السقف على سعته وعلوه على غير ذلك فقال: { محفوظاً } أي عن السقوط بالقدرة وعن الشياطين بالشهب، فذكّر باعتبار السقف، وأشار إلى كثرة ما حوى من الآيات مؤنثاً باعتبار السماء أو العدد الدال عليه الجنس، لأن العدد أولى بالدلالة على كثرة الآيات والنجوم مفرقة في الكل فقال: { وهم } أي أكثر الناس { عن آياتها } أي من الكواكب الكبار والصغار، والرياح والأمطار، وغير ذلك من الدلائل التي تفوت الانحصار، أي الدالة على قدرتنا على كل ما نريد من البعث وغيره وعلى عظمتنا بالتفرد بالإلهية وغير ذلك من أوصاف الكمال، من الجلال والجمال { معرضون* } لا يتفكرون فيما فيها من التسيير والتدبير بالمطالع والمغارب والترتيب القويم الدال على الحساب الدائر عليه سائر المنافع.
ولما ذكر السماء، ذكر ما ينشاء عنها فقال: { وهو } أي لا غيره { الذي خلق الّيل والنهار } ثم أتبعهما آيتيهما فقال: { والشمس } التي هي آية النهار وبها وجوده { والقمر } الذي هو آية الليل. ولما ذكر أعظم آياتها فأفهم بقية الكواكب، استأنف لمن كأنه قال: هل هي كلها في سماء واحدة؟: { كل } أي من ذلك { في فلك } فكأنه قيل: ماذا تصنع؟ فقيل تغليباً لضمير العقلاء... ونقلهم إليها: { يسبحون* } أي كل واحد يسبح في الفلك الذي جعل به.
ولما ذكر الصارم البتار، للأعمار الطوال والقصار، من الليل والنهار، كان كأنه قيل: فيفنيان كل شديد، ويبليان كل جديد، فعطف عليه قوله: { وما جعلنا } أي بما لنا من العظمة التي اقتضت تفردنا بالبقاء { لبشر } وحقق عدم هذا الجعل بإثبات الجار فقال: { من قبلك الخلد } ناظراً إلى قوله { وما كانوا خالدين } بعد قوله { هل هذا إلا بشر مثلكم } وهذا من أقوى الأدلة على أن الخضر عليه السلام مات، ويجاب بأن الحياة الطويلة ليست خلداً كما في حق عيسى عليه السلام، لكن قوله صلى الله عليه وسلم:
" اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض بعد اليوم" " وقوله:" " لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو على ظهر الأرض اليوم أحد" وقوله: " " وددنا أن موسى عليه السلام صبر فقص علينا من أمرهما" في أمثال ذلك، يدل على موته دلالة لا تقبل ادعاء حياته بعدها إلا بأظهر منه.
ولما كان قولهم
{ بل هو شاعر } [الأنبياء: 5] مشيراً إلى أنهم قالوا نتربص به ريب المنون كما اتفق لغيره من الشعراء، وكان ينبغي أن لا ينتظر أحد لآخر من الأذى إلا ما يتحقق سلامته هو منه، توجه الإنكار عليهم والتسلية له بمنع شماتتهم في قوله: { أَفَإِيْن } أي أيتمنون موتك فإن { مت فهم } أي خاصة { الخالدون* } فالمنكر تقدير خلودهم على تقدير موته الموجب لإنكار تمنيهم لموته، فحق الهمزة دخولها على الجزاء، وهو فهم، وإنما قارنت الشرط لأن الاستفهام له الصدر.
ولما تم ذلك، أنتج قطعاً: { كل نفس } أي منكم ومن غيركم { ذائقة الموت } أي فلا يفرح أحد ولا يحزن بموت أحد، بل يشتغل بما يهمه، وإليه الإشارة بقوله: { ونبلوكم } أي نعاملكم معاملة المبتلي المختبر المظهر في عالم الشهادة الشاكر والصابر والمؤمن والكافر كما هو عندنا في علام الغيب بأن نخالطكم { بالشر } الذي هو طبع النفوس، فهي أسرع شيء إليه، فلا ينجو منه إلا من أخلصناه لنا { والخير } مخالطة كبيرة، وأكد البلاء بمصدر من معناه مقرون بالهاء تعظيماً له فقال: { فتنة } أي كما يفتن الذهب إذا أريدت تصفيته بمخالطة النار له، على حالة عظيمة محيلة مميلة لكم لا يثبت لها إلا الموفق { وإلينا } أي بعد الموت لا إلى غيرنا { ترجعون* } للجزاء حيث لا حكم لأحد أصلاً لا ظاهراً ولا باطناً كما هذه الدار بنفوذ الحكم فلا يكون إلا ما نريد فاشتغلوا بما ينجيكم منا، ولا تلتفتوا إلى غيره، فإن الأمر صعب، وجدوا فإن الحال جد.