خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ هَـٰذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ
١٥٥
وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ
١٥٦
فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ
١٥٧
فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ
١٥٨
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ
١٥٩
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلِينَ
١٦٠
إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ
١٦١
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ
١٦٢
فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ
١٦٣
-الشعراء

نظم الدرر في تناسب الآيات والسور

ولما أسرع الله تعالى في إجابته حين دعا أن يعطيهم ما اقترحوا، أشار إلى ذلك بقوله: { قال } أي جواباً لاقتراحهم: تعالوا نظروا ما آتيكم به آية على صدقي، فأتوا فأخرج الله له من الصخرة ناقة عشراء كما اقترحوا، فقال مشيراً إليها بأداة القرب إشارة إلى سهولة إخراجها وسرعته: { هذه ناقة } أي أخرجها ربي من الصخرة كما اقترحتم؛ ثم أشار إلى أن في هذه الآية آية أخرى بكونها تشرب ماء البئر كله في يوم وردها وتكف عنه في اليوم الثاني لأجلهم، بقوله: { لها شرب } أي نصيب من الماء في يوم معلوم { ولكم شرب يوم } أي نصيب من الماء في يوم { معلوم* } لازحام بينكم وبينها في شيء من ذلك.
ولما أرشد السياق إرشاداً بَيِّناً إلى أن المعنى: فخذوا شربكم واتركوا لها شربها، عطف عليه قوله: { ولا تمسوها بسوء } أي كائناً ما كان وإن قل، لأن ما كان من عند الله يجب إكرامه، ورعايته واحترامه؛ ثم خوفهم بما يتسبب عن عصيانهم فقال: { فيأخذكم } أي يهلككم { عذاب يوم عظيم* } بسبب ما حل فيه من العذاب، فهو أبلغ من وصف العذاب بالعظم، وأشار إلى سرعة عصيانهم بفاء التعقيب في قوله: { فعقروها } أي قتلوها بضرب ساقها بالسيف.
ولما تسبب عن عقرها حلول مخايل العذاب، أخبر عن ندمهم على قتلها من حيث إنه يفضي إلى الهلاك، لا من حيث إنه معصية لله ورسوله. فقال: { فأصبحوا نادمين* } أي على عقرها لتحقق العذاب؛ وأشار إلى أن ذلك الندم لا على وجه التوبة أو أنه عند رؤية البأس فلم ينفع، أو أن ذلك كناية عن أن حالهم صار حال النادم، لا أنه وجد منهم ندم على شيء ما، فإنه نقل عنهم أنه أتاهم العذاب العذاب وهو يحاولون أن يقتلوا صالحاً عليه السلام، بقوله: { فأخذهم العذاب } أي المتوعد به.
ولما كان في الناقة وفي حلول المخايل كما تقدم أعظم دليل على صدق الرسول الداعي إلى الله قال: { إن في ذلك لآية } أي دلالة عظيمة على صحة ما أمروا به عن الله، { وما } أي والحال أنه مع ذلك ما { كان أكثرهم مؤمنين* }.
ولما كان ربما توهم أنه سبحانه غير متصف بالعزة لعدم قسرهم على الإيمان، أو بالرحمة لإهلاكهم، قال: { وإن ربك لهو العزيز } أي فلا يخرج شيء من قبضته وإرادته، وهو الذي أراد لهم الكفر { الرحيم* } في كونه لم يهلك أحداً حتى أرسل إليهم رسولاً فبين لهم ما يرضاه سبحانه وما يسخطه، وأبلغ في إنذارهم حتى أقام الحجة بذلك، ثم هو سبحانه يضل من يشاء لما تعلم من طبعه على ما يقتضي الشقاوة، ويوفق من علم منه الخير لما يرضيه، فيتسبب عن ذلك سعادته، وفي تكريره سبحانه هذه الآية آخر كل قصة على وجه التأكيد وإتباعها ما دلت عليه من كفر من أتى بعد أصحابها. من غير اتعاظ بحالهم، ولا نكوب عن مثل ضلالهم، خوفاً من نظير نكالهم، أعظم تسلية لهذا النبي الكريم، وتخويف لكل عليم حليم، واستعطاف لكل ذي قلب سيلم، ولذلك قال واصلاً بالقصة: { كذبت } أي دأب من تقدم كأنهم تواصوا به { قوم لوط المرسلين* } لأن من كذب رسولاً - كما مضى - فقد كذب الكل، لتساوي المعجزات في الدلالة على الصدق. وقد صرحت هذه الآية بكفرهم بالتكذيب. وبين إسراعهم في الضلال بقوله: { إذ } أي حين { قال لهم أخوهم } أي في السكنى في البلد لا في النسب لأنه ابن أخي إبراهيم عليه السلام، وهما من بلاد الشرق من بلاد بابل - وكأنه عبر بالأخوة لاختياره لمجاورتهم، ومناسبتهم بمصاهرتهم، وإقامته بينهم في مدينتهم مدة مديدة، وسنين عديدة، وإتيانه بالأولاد من نسائهم، مع موافقته لهم في أنه قروي، ثم بينه بقوله: { لوط ألا تتقون* } أي تخافون الله فتجعلوا بينكم وبين سخطه وقاية.
ولما كان مضمون هذا الدعاء لهم والإنكار عليهم في عدم التقوى علل ذلك بقوله: { إني لكم } أي خاصة { رسول أمين* } أي لا شيء من غش ولا خيانة عندي، ولذلك سبب عنه قوله: { فاتقوا الله } أي لقدرته على إهلاك من يريد وتعاليه في عظمته { وأطيعون* } أي لأن طاعتي سبب نجاتكم، لأني لا آمركم إلا بما يرتضيه. ولا أنهاكم إلا عما يغضبه.