خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِٱلْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ
٥٢
وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَهُـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ
٥٣
-المائدة

نظم الدرر في تناسب الآيات والسور

ولما علل بذلك، كان سبباً لتمييز الخالص الصحيح من المغشوش المريض، فقال: { فترى } أي فتسبب عن أن الله لا يهدي متوليهم أنك ترى { الذين في قلوبهم مرض } أي فساد في الدين كابن أبي وأصحابه - أخزاهم الله تعالى { يسارعون } أي بسبب الاعتماد عليهم دون الله { فيهم } أي في موالاة أهل الكتاب حتى يكونوا من شدة ملابستهم كأنهم مظروفون لهم كأن هذا الكلام الناهي لهم كان إغراء، ويعتلون بما بما لا يعتل به إلا مريض الدين من النظر إلى مجرد السبب في النصرة عند خشية الدائرة { يقولون } أي قائلين اعتماداً عليهم وهم أعداء الله اعتذاراً عن موالاتهم { نخشى } أي نخاف خوفاً بالغاً { أن تصيبنا دائرة } أي مصيبة محيطة بنا، والدوائر: التي تخشى، والدوائل: التي ترجى.
ولما نصب سبحانه هذا الدليل الذي يعرف الخالص من المغشوش، كان فعلهم هذا للخالص سبباً في ترجي أمر من عند الله ينصر به دينه، إما الفتح أو غيره مما أحاط به علمه وكوّنته قدرته يكون سبباً لندمهم، فلذا قال: { فعسى الله } أي الذي لا أعظم منه فلا يطلب النصر إلا منه { أن يأتي بالفتح } أي بإظهار الدين على الأعداء { أو أمر من عنده } بأخذهم قتلاً بأيديكم أو بإخراج اليهود من أرض العرب أو بغير ذلك فينكشف لهم الغطاء.
ولما كانت المصيبة عند الإصباح أعظم، عبر به وإن كان المراد التعميم فقال: { فيصبحوا } أي فيسبب عن كشف غطائهم أن يصبحوا, والأحسن في نصبه ما ذكره أبو طالب العبدي في شرح الإيضاح للفارسي من أنه جواب "عسى" إلحاقاً لها بالتمني لكونها للطمع وهو قريب منه، ويحسنه أن الفتح وندامتهم المترتبة عليه عندهم من قبيل المحال، فيكون النصب إشارة إلى ما يخفون من ذلك، وهو مثل ما يأتي إن شاء الله تعالى في توجيه قراءة حفص عن عاصم في غافر
{ فاطلع } [غافر: 37] بالنصب { على ما أسروا }.
ولما كان الإسرار لا يكون إلاّ لما يخشى من إظهاره فساد، وكان يطلق على ما دار بين جماعة خاصة على وجه الكتمان عن غيرهم، بين أنه أدق من ذلك وأنه على الحقيقة مَنَعهم خوفهم من غائلته وغرته عندهم أن يبرزوه إلى الخارج فقال: { في أنفسهم } أي من تجويز محو هذا الدين وإظهار غيره عليه { نادمين * } أي ثابت لهم غاية الندم في الصباح وغيره { ويقول الذين آمنوا } من رفعه عطفه على معنى { نادمين } فإن أصله: يندمون، ولكنه عبر بالاسم إعلاماً بدوام ندمهم بشارة بدوام الظهور لهذا الدين على كل دين، أو على { يقولون نخشى }، ومن أسقط الواو جعله حالاً، ومن نصبه جاز أن يعطفه على "يصبحوا" أي يكون ذلك سبباً لتحقق المؤمنين أمر المنافقين بالمسارعة في أهل الكتاب عند قيامهم سروراً بهم والندم عند خذلانهم ومحقهم، فيقول بعض المؤمنين لبعض تعجباً من حالهم واغتباطاً بما من الله عليهم به من التوفيق في الإخلاص مشيرين إلى المنافقين تنبيهاً وإنكاراً: { أهؤلاء } أي الحقيرون { الذين أقسموا بالله } أي وهو الملك الأعظم { جهد أيمانهم } أي مبالغين في ذلك اجتراء على عظمته { إنهم لمعكم } أيها المؤمنون! ويجوز أن يكون هذا القول من المؤمنين لليهود في حق المنافقين حيث قاسموهم على النصرة؛ ثم ابتدأ جواباً من بقية كلام المؤمنين أو من كلام الله لمن كأنه قال: فماذا يكون حالهم؟ فقال: { حبطت } أي فسدت فسقطت { أعمالهم فأصبحوا } أي فتسبب عن ذلك أنهم صاروا { خاسرين } أي دائمي الخسارة بتعبهم في الدنيا بالأعمال وخيبة الآمال، وجنايتهم في الآخرة الوبال، وعبر بالإصباح لأنه لا أقبح من مصابحة السوء لما في ذلك من البغتة بخلاف ما ينتظر ويؤمل.