خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ
٨٨
وَقُلْ إِنِّيۤ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ
٨٩
كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى ٱلْمُقْتَسِمِينَ
٩٠
ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلْقُرْآنَ عِضِينَ
٩١
فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ
٩٢
عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٩٣
فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ
٩٤
إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ
٩٥
ٱلَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلـٰهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ
٩٦
-الحجر

الدر المنثور في التفسير بالمأثور

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله { لا تمدن عينيك ... } الآية. قال: نهى الرجل أن يتمنى مال صاحبه.
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر، عن يحيى بن أبي كثير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بإبل حي، يقال لهم بنو الملوح أو بنو المصطلق، قد عنست في أبوالها من السمن. فتقنع بثوبه ومرّ ولم ينظر إليها لقوله { لا تمدن عينيك.. } الآية.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر، عن مجاهد في قوله { أزواجاً منهم } قال: الأغنياء، الأمثال، الأشباه.
وأخرج ابن المنذر عن سفيان بن عيينة قال: من أعطي القرآن فمد عينيه إلى شيء منها، فقد صغر القرآن. ألم تسمع قوله { ولقد آتيناك سبعاً من المثاني .... } إلى قوله { ورزق ربك خير وأبقى } قال: يعني القرآن.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير { واخفض جناحك } قال: اخضع.
وأخرج البخاري وسعيد بن منصور والحاكم والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق، عن ابن عباس في قوله { كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين } قال: هم أهل الكتاب، جزأوه أجزاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه.
وأخرج ابن جرير من طريق علي، عن ابن عباس { عضين } فرقا.
وأخرج الطبراني في الأوسط، عن ابن عباس قال:
"سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أرأيت قول الله { كما أنزلنا على المقتسمين } قال: اليهود والنصارى. قال { الذين جعلوا القرآن عضين } قال: آمنوا ببعض وكفروا ببعض" .
وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم والبيهقي وأبو نعيم معاً في الدلائل، عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش - وكان ذا سن فيهم - وقد حضر الموسم فقال لهم: يا معشر قريش، إنه قد حضر هذا الموسم، وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا فاجمعوا فيه رأياً واحداً، ولا تختلفوا فيُكَذِّب بعضكم بعضاً. فقالوا: أنت فقل، وأتم لنا به رأياً نقول به. قال: لا، بل أنتم قولوا لأسمع. قالوا: نقول كاهن. قال: ما هو بكاهن... لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكهان ولا بسجعهم. قالوا: فنقول مجنون. قال: ما هو بمجنون... لقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هو بخنقه ولا بحائحه ولا وسوسته. قالوا: فنقول شاعر. قال: ما هو بشاعر.... لقد عرفنا الشعر كله، رَجَزه وهَزَجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعر. قالوا: فنقول ساحر. قال: ما هو بساحر لقد رأينا السحار وسحرهم، فما هو بنفثه ولا بعقده. قالوا: فماذا نقول؟ قال: والله إن لقوله حلاوة؛ وإن عليه طلاوة وإن أصله لعذق وإن فرعه لجناء، فما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول أن تقولوا هو ساحر، يفرق بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجه، وبين المرء وعشيرته. فتفرقوا عنه بذلك. فأنزل الله في الوليد وذلك من قوله { { ذرني ومن خلقت وحيداً... } [المدثر: 11] إلى قوله { سأصليه سقر... } [المدثر: 26] وأنزل الله في أولئك النفر الذين كانوا معه { الذين جعلوا القرآن عضين } أي أصنافاً { فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون }.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر، عن مجاهد في قوله { الذين جعلوا القرآن عضين } قال: هم رهط من قريش، عضهوا كتاب الله، فزعم بعضهم أنه سحر وزعم بعضهم أنه كهانة وزعم بعضهم أنه أساطير الأوّلين.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن جرير، عن عكرمة يقول: العضه، السحر بلسان قريش. يقولون للساحرة: إنها العاضهة.
وأخرج الترمذي وابن جرير وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم { فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون } قال: يسأل العباد كلهم يوم القيامة عن خلتين: عما كانوا يعبدون، وعما أجابوا به المرسلين.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث من طريق علي، عن ابن عباس رضي الله عنهما { فوربك لنسألنهم أجمعين } وقال:
{ { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان } [الرحمن: 39] قال: لا يسألهم هل عملهم كذا وكذا؛ لأنه أعلم منهم بذلك، ولكن يقول: لم عملتم كذا وكذا.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي، عن ابن عباس رضي الله عنهما { فاصدع بما تؤمر } فامضه.
وأخرج ابن جرير عن أبي عبيدة، أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ما زال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفياً حتى نزل { فاصدع بما تؤمر } فخرج هو وأصحابه.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو داود في ناسخه من طريق علي، عن ابن عباس رضي الله عنهما { وأعرض عن المشركين } قال: نسخه قوله
{ { فاقتلوا المشركين } [التوبة: 5].
وأخرج ابن إسحق وابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { فاصدع بما تؤمر } قال: هذا أمر من الله لنبيه بتبليغ رسالته قومه وجميع من أرسل إليه.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { فاصدع بما تؤمر } قال: اجهر بالقرآن في الصلاة.
وأخرج عن ابن زيد في قوله { فاصدع بما تؤمر } قال: بالقرآن الذي أوحي إليه أن يبلغهم إياه.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس { فاصدع بما تؤمر } قال: أعلن بما تؤمر.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق السدي الصغير، عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال:
"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفياً سنين لا يظهر شيئاً مما أنزل الله حتى نزلت { فاصدع بما تؤمر } يعني: أظهر أمرك بمكة، فقد أهلك الله المستهزئين بك وبالقرآن، وهم خمسة رهط. فأتاه جبريل بهذه الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أراهم أحياء بعد كلهم.... فاهلكوا في يوم واحد وليلة. منهم العاص بن وائل السهمي، خرج في يومه ذلك في يوم مطير فخرج على راحلته يسير وابن له يتنزه ويتغدى، فنزل شعباً من تلك الشعاب. فلما وضع قدمه على الأرض قال: لدغت. فطلبوا فلم يجدوا شيئاً، وانتفخت رجله حتى صارت مثل عنق البعير، فمات مكانه.
ومنهم الحارث بن قيس السهمي، أكل حوتاً فأصابه غلبة عطش، فلم يزل يشرب عليه من الماء حتى أنقدّ بطنه، فمات وهو يقول: قتلني رب محمد.
ومنهم الأسود بن المطلب، وكان له ابن يقال له زمعة بالشام، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا على الأب أن يعمى بصره وأن يثكل ولده، فأتاه جبريل بورقة خضراء فرماه بها فذهب بصره. وخرج يلاقي ابنه ومعه غلام له، فأتاه جبريل وهو قاعد في أصل شجرة، فجعل ينطح رأسه ويضرب وجهه بالشوك، فاستغاث بغلامه فقال له غلامه: لا أرى أحداً يصنع بك شيئاً غير نفسك. حتى مات وهو يقول: قتلني رب محمد.
ومنهم الوليد بن المغيرة، مرّ على نبل لرجل من خزاعة قد راشها وجعلها في الشمس، فربطها فانكسرت، فتعلق به سهم منها فأصاب أكحله فقتله.
ومنهم الأسود بن عبد يغوث، خرج من أهله فأصابه السموم فاسودّ حتى عاد حبشياً، فأتى أهله فلم يعرفوه فاغلقوا دونه الباب حتى مات. وهو يقول: قتلني رب محمد. فقتلهم الله جميعاً، فأظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره وأعلنه بمكة"
.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل بسندين ضعيفين، عن ابن عباس في قوله { إنا كفيناك المستهزئين } قال: قد سلطت عليهم جبريل وأمرته بقتلهم، فعرض للوليد بن المغيرة فعثر به، فعصره عن نصل في رجله حتى خرج رجيعه من أنفه. وعرض للأسود بن عبد العزى وهو يشرب ماء، فنفخ في ذلك حتى انتفخ جوفه فانشق، واعترض للعاص بن وائل وهو متوجه إلى الطائف، فنخسه بِشَبْرُقَةٍ فجرى سمّها إلى رأسه، وقتل الحارث بن قيس بلكزة، فما زال يفوق حتى مات. وقتل الأسود بن عبد يغوث الزهري.
وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي وأبو نعيم كلاهما في الدلائل وابن مردويه بسند حسن والضياء في المختارة، عن ابن عباس في قوله { إنا كفيناك المستهزئين } قال: المستهزئون، الوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب والحارث بن عبطل السهمي والعاص بن وائل، فأتاه جبريل فشكاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أرني إياهم، فأراه الوليد. فأومأ جبريل إلى أكحله فقال: ما صنعت شيئاً. قال: كفيتكه. ثم أراه الأسود بن المطلب، فأومأ إلى عينيه فقال: ما صنعت شيئاً. قال: كفيتكه، ثم أراه الأسود بن عبد يغوث، فأومأ إلى رأسه فقال: ما صنعت شيئاً. قال: كَفَيْتُكَهُ. ثم أراه الحرث، فأومأ إلى بطنه فقال: ما صنعت شيئاً. فقال: كفيتكه. ثم أراه العاص بن وائل، فأومأ إلى أخمصه فقال: ما صنعت شيئاً. فقال: كفيتكه. فأما الوليد، فمر برجل من خزاعة وهو يريش نبلاً فأصاب أكحله فقطعها. وأما الأسود بن المطلب، فنزل تحت سمرة فجعل يقول: بنيّ، ألا تدفعون عني؟ قد هلكت وَطُعِنْتُ بالشوك في عيني. فجعلوا يقولون: ما نرى شيئاً. فلم يزل كذلك حتى عتمت عيناه. وأما الأسود بن عبد يغوث، فخرج في رأسه قروح فمات منها. وأما الحارث، فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج خرؤه من فيه فمات منه. وأما العاص، فركب إلى الطائف فربض على شبرقة فدخل من أخمص قدمه شوكة فقتلته".
وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل من طريق جويبر، عن الضحاك عن ابن عباس، أن الوليد بن المغيرة قال: إن محمداً كاهن، يخبر بما يكون قبل أن يكون وقال أبو جهل: محمد ساحر؛ يفرق بين الأب والابن. وقال عقبة بن أبي معيط: محمد مجنون، يهذي في جنونه. وقال أبي بن خلف: محمد كذاب. فأنزل الله { انا كفيناك المستهزئين } فهلكوا قبل بدر.
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه، عن ابن عباس، أن المستهزئين ثمانية: الوليد بن المغيرة، والأسود بن المطلب، والأسود بن عبد يغوث، والعاص بن وائل، والحارث بن عدي بن سهم، وعبد العزى بن قصي؛ وهو أبو زمعة، وكلهم هلك قبل بدر بموت أو مرض. والحارث بن قيس من العياطل.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: { المستهزئين } منهم: الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والحارث بن قيس، والأسود بن المطلب، والأسود بن عبد يغوث، وأبو هبار بن الأسود.
وأخرج ابن مردويه عن علي { إنا كفيناك المستهزئين } قال: خمسة من قريش، كانوا يستهزئون برسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم الحارث بن عيطلة والعاص بن وائل والأسود بن عبد يغوث والوليد بن المغيرة.
وأخرج البزار والطبراني في الأوسط عن أنس قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على أناس بمكة، فجعلوا يغمزون في قفاه ويقولون: هذا الذي يزعم أنه نبي ومعه جبريل. فغمز جبريل بأصبعه فوقع مثل الظفر في أجسادهم، فصارت قروحاً نتنة. فلم يستطع أحد أن يدنو منهم. وأنزل الله { إنا كفيناك المستهزئين }.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف، عن عكرمة قال: مكث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة خمس عشرة سنة، منها أربع أو خمس يدعو إلى الإِسلام سراً وهو خائف، حتى بعث الله على الرجال الذين أنزل فيهم { انا كفيناك المستهزئين الذين جعلوا القرآن عضين } والعضين بلسان قريش، والسحر. وأمر بعدوانهم فقال: { فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين } ثم أمر بالخروج إلى المدينة فقدم في ثمان ليالٍ خلون من شهر ربيع الأول، ثم كانت وقعة بدر. ففيهم أنزل الله
{ { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم } [الأنفال: 7] وفيهم نزلت { { سيهزم الجمع } [القمر: 45] وفيهم نزلت { { حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب } [المؤمنون: 64] وفيهم نزلت { { ليقطع طرفاً من الذين كفروا } [آل عمران: 127] وفيهم نزلت { ليس لك من الأمر شيء } [آل عمران: 128] أراد الله القوم وأراد رسول الله العير، وفيهم نزلت { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً... } [إبراهيم: 28] الآية. وفيهم نزلت { { قد كان لكم آية في فئتين التقتا } [آل عمران: 13] في شأن العير { { والركب أسفل منكم } [الأنفال: 42] أخذوا أسفل الوادي. فهذا كله في أهل بدر، وكانت قبل بدر بشهرين سرية يوم قتل ابن الحضرمي، ثم كانت أحد، ثم يوم الأحزاب بعد أحد بسنتين، ثم كانت الحديبية - وهو يوم الشجرة - فصالحهم النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ على أن يعتمر في عام قابل في هذا الشهر. ففيها أنزلت { { الشهر الحرام بالشهر الحرام } [البقرة: 194] فشهر العام الأول بشهر العام فكانت { الحرمات قصاص } ثم كان الفتح بعد العمرة، ففيها نزلت { { حتى إذا فتحنا عليهم باباً ذا عذاب شديد ... } [المؤمنون: 77] الآية. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم غزاهم ولم يكونوا أعدوا له أهبة القتال، ولقد قتل من قريش يومئذ اربعة رهط من حلفائهم، ومن بني بكر خمسين أو زيادة. وفيهم نزلت - لما دخلوا في دين الله { هو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار } [المؤمنون: 78] ثم خرج إلى حنين بعد عشرين ليلة، ثم إلى المدينة، ثم أمر أبا بكر على الحج. ولما رجع أبو بكر من الحج، غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك، ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم العام المقبل، ثم ودع الناس، ثم رجع فتوفي لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله { إنا كفيناك المستهزئين } قال: هؤلاء فيما سمعنا خمسة رهط، استهزأوا بالنبي صلى الله عليه وسلم. فلما أراد صاحب اليمن أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم، أتاه الوليد بن المغيرة فزعم أن محمداً ساحر. وأتاه العاص بن وائل وأخبره أن محمداً يعلم أساطير الأولين، فجاءه آخر فزعم أنه كاهن، وجاءه آخر فزعم أنه شاعر، وجاء آخر فزعم أنه مجنون فكفى الله محمداً أولئك الرهط في ليلة واحدة، فأهلكهم بألوان من العذاب... كل رجل منهم أصابه عذاب. فأما الوليد، فأتى على رجل من خزاعة وهو يريش نبلاً له، فمر به وهو يتبختر فأصابه منها سهم فقطع أكحله، فأهلكه الله. وأما العاص بن وائل، فإنه دخل في شعب فنزل في حاجة له، فخرجت إليه حية مثل العمود فلدغته فأهلكه الله: وأما الآخر، فكان رجلاً أبيض حسن اللون، خرج عشاء في تلك الليلة فأصابته سموم شديدة الحر، فرجع إلى أهله وهو مثل حبشي، فقالوا: لست بصاحبنا. فقال: أنا صاحبكم!.. فقتلوه. وأما الآخر، فدخل في بئر له فأتاه جبريل فعمه فيها، فقال: إني قد قتلت فأعينوني: فقالوا: والله ما نرى أحداً. فكان كذلك حتى أهلكه الله. وأما الآخر، فذهب إلى إبله ينظر فيها، فأتاه جبريل بشوك القتاد فضربه، فقال: أعينوني فإني قد هلكت. قالوا: والله ما نرى أحداً. فأهلكه الله فكان لهم في ذلك عبرة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال:
"جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحنى ظهر الأسود بن عبد يغوث حتى احقوقف صدره. فقال: النبي صلى الله عليه وسلم خالي خالي فقال جبريل: دعه عنك فقد كفيته فهو من المستهزئين. قال: وكانوا يقولون سورة البقرة وسورة العنكبوت يستهزئون بها" .
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن قتادة قال: هؤلاء رهط من قريش، منهم الأسود بن عبد يغوث، والأسود بن المطلب، والوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، وعدي بن قيس.
وأخرج ابن جرير وأبو نعيم، عن أبي بكر الهذلي قال: قيل للزهري إن سعيد بن جبير وعكرمة اختلفا في رجل من المستهزئين، فقال سعيد: الحارث بن عيطلة وقال عكرمة: الحارث بن قيس. فقال: صدقا جميعاً. كانت أمه تسمى عيطلة، وكان أبوه قيساً.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وأبو نعيم، عن الشعبي رضي الله عنه قال: المستهزئون سبعة، فسمى منهم العاص بن وائل، والوليد بن المغيرة، وهبار بن الأسود، وعبد يغوث بن وهب، والحرث بن عيطلة.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وأبو نعيم، عن قتادة ومقسم مولى ابن عباس { إنا كفيناك المستهزئين } قال: هم الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وعدي بن قيس والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب، مروا رجلاً رجلاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل، فإذا مر به رجل منهم قال له جبريل: كيف محمد هذا؟ فيقول: بئس عبد الله، فيقول جبريل: كَفَيْنَاكَهُ. فأما الوليد، فتردّى فتعلق سهم بردائه، فذهب يجلس فقطع أكحله فنزف حتى مات.
وأما الأسود بن عبد يغوث، فأتى بغصن فيه شوك، فضرب به وجهه فسالت حدقتاه على وجهه فمات. وأما العاص، فوطئ على شوكة فتساقط لحمه عن عظامه حتى هلك.
وأما الأسود بن المطلب وعدي بن قيس، فأحدهما قام من الليل وهو ظمآن ليشرب من جرة، فلم يزل يشرب حتى انفتق بطنه فمات.
وأما الآخر، فلدغته حية فمات.