خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَانِ وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
١٠٦
ذٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْحَيَاةَ ٱلْدُّنْيَا عَلَىٰ ٱلآخِرَةِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ
١٠٧
أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ
١٠٨
لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلْخَاسِرونَ
١٠٩
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ
١١٠
-النحل

الدر المنثور في التفسير بالمأثور

أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، عن ابن عباس قال‏:‏ ‏‏ "لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهاجر إلى المدينة، قال لأصحابه‏: تفرقوا عني، فمن كانت به قوة فليتأخر إلى آخر الليل، ومن لم تكن به قوة فليذهب في أول الليل، فإذا سمعتم بي قد استقرت بي الأرض، فالحقوا بي‏. فأصبح بلال المؤذن وخباب وعمار وجارية من قريش كانت أسلمت، فأصبحوا بمكة فأخذهم المشركون وأبو جهل، فعرضوا على بلال أن يكفر فأبى، فجعلوا يضعون درعاً من حديد في الشمس ثم يلبسونها إياه، فإذا ألبسوها إياه قال‏:‏ أحد‏.‏‏.‏أحد‏.‏‏.‏ وأما خباب، فجعلوا يجرونه في الشوك، وأما عمار فقال لهم كلمة أعجبتهم تقيةً، وأما الجارية، فوتد لها أبو جهل أربعة أوتاد ثم مدها فأدخل الحربة في قلبها حتى قتلها، ثم خلوا عن بلال وخباب وعمار، فلحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بالذي كان من أمرهم، واشتد على عمار الذي كان تكلم به‏.‏ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏: كيف كان قلبك حين قلت الذي قلت‏:‏ أكان منشرحاً بالذي قلت أم لا‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ وأنزل الله ‏ { ‏إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان‏ }
‏‏"
. وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه، والبيهقي في الدلائل من طريق أبي عبيدة بن محمد بن عمار، عن أبيه قال‏: "أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم‏.‏ بخير، ثم تركوه فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏: شر ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير قال‏:‏ كيف تجد قلبك‏؟‏ قال‏:‏ مطمئن بالايمان‏.‏ قال‏: إن عادوا فعد‏. فنزلت ‏{ ‏إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان‏ }‏" .
وأخرج ابن سعد عن محمد بن سيرين‏:‏ ‏ "إن النبي لقي عماراً وهو يبكي، فجعل يمسح عن عينيه ويقول‏: أخذك الكفار فغطوك في الماء فقلت كذا وكذا‏.‏‏.‏‏.‏ فإن عادوا فقل ذلك لهم"
‏"‏‏. وأخرج ابن سعد عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر في قوله‏:‏ ‏ { ‏إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان‏ } ‏ قال‏:‏ ذلك عمار بن ياسر، وفي قوله‏:‏ ‏ { ‏ولكن من شرح بالكفر صدراً‏ }‏ قال‏:‏ ذاك عبد الله بن أبي سرح‏.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر، عن أبي مالك في قوله‏:‏ ‏ { ‏إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان‏ } ‏ قال‏:‏ نزلت في عمار بن ياسر‏.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحكم ‏{ ‏إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان‏ } ‏ قال‏:‏ نزلت في عمار‏.
وأخرج ابن جرير عن السدي، أن عبد الله بن أبي سرح أسلم ثم ارتد فلحق بالمشركين، ووشى بعمار وخباب عند ابن الحضرمي، أو ابن عبد الدار فأخذوهما وعذبوهما حتى كفرا، فنزلت ‏{ ‏إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان‏ }‏‏.
وأخرج مسدد في مسنده وابن المنذر وابن مردويه،عن أبي المتوكل الناجي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمار بن ياسر إلى بئر للمشركين يستقي منها، وحولها ثلاث صفوف يحرسونها، فاستقى في قربة ثم أقبل، فأخذوه فأرادوه على أن يتكلم بكلمة الكفر، فأنزلت هذه الآية فيه‏ { ‏إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان‏ }‏‏.
وأخرج ابن جرير وابن عساكر عن قتادة قال‏:‏ ذكر لنا أن هذه الآية ‏ { ‏إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان‏ } ‏ نزلت في عمار بن ياسر، أخذه بنو المغيرة فغطوه في بئر وقالوا‏:‏ اكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم‏.‏ فاتبعهم على ذلك وقلبه كاره فنزلت‏ .‏‏.‏‏.‏
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين قال‏:‏ نزلت هذه الآية ‏ { ‏إلا من أكره‏ }‏ في عياش بن أبي ربيعة‏.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد قال‏:‏ نزلت هذه الآية في أناس من أهل مكة آمنوا، فكتب إليهم بعض الصحابة بالمدينة‏:‏ أن هاجروا فإنا لا نرى أنكم منا حتى تهاجروا إلينا، فخرجوا يريدون المدينة فأدركتهم قريش في الطريق ففتنوهم، فكفروا مكرهين، ففيهم نزلت هذه الآية‏.
وأخرج ابن سعد عن عمر بن الحكم قال‏:‏ كان عمار بن ياسر يعذب حتى لا يدري ما يقول، وكان صهيب يعذب حتى لا يدري ما يقول، وكان أبو فكيهة يعذب حتى لا يدري ما يقول، وبلال وعامر وابن فهيرة وقوم من المسلمين، وفيهم نزلت هذه الآية { ‏ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا‏ }‏‏.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه من طريق علي، عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏ { ‏من كفر بالله‏ } ‏ الآية، قال‏:‏ أخبر الله سبحانه أن ‏ { ‏من كفر بالله من بعد إيمانه‏ }‏ فعليه غضب من الله وله عذاب عظيم، فأما من أكره، فتكلم بلسانه وخالفه قلبه بالإيمان لينجو بذلك من عدوه، فلا حرج عليه، لأن الله سبحانه إنما يؤاخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم‏.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة والحسن البصري قالا في سورة النحل ‏ { ‏من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم‏ } ‏ ثم نسخ واستثنى من ذلك فقال‏:‏ ‏ { ‏ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم‏ } ‏ وهو عبد الله بن أبي سرح الذي كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأزله الشيطان فلحق بالكفار، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتل يوم فتح مكة، فاستجار له أبو بكر وعمر وعثمان بن عفان فأجاره النبي صلى الله عليه وسلم‏.
وأخرج ابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس مثله‏.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، عن قتادة في قوله‏:‏ ‏ { ‏إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا‏ .‏‏.‏‏.‏‏ }‏ الآية، قال‏:‏ ذكر لنا أنه لما أنزل الله أن أهل مكة لا يقبل منهم إسلام حتى يهاجروا، كتب بها أهل المدينة إلى أصحابهم من أهل مكة فخرجوا فأدركهم المشركون فردوهم، فأنزل الله
‏{ { ‏الۤـمۤ أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون } ‏[‏العنكبوت: 1-2] فكتب بهذا أهل المدينة إلى أهل مكة، فلما جاءهم ذلك تبايعوا على أن يخرجوا، فإن لحق بهم المشركون من أهل مكة قاتلوهم حتى ينجوا أو يلحقوا بالله، فخرجوا فأدركهم المشركون فقاتلوهم، فمنهم من قتل ومنهم من نجا‏.‏ فأنزل الله ‏ { ‏ثم إن ربك للذين هاجروا‏ .‏‏.‏‏.‏‏ }‏ الآية‏.
وأخرج عبد بن حميد عن الشعبي نحوه‏.
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في سننه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ نزلت هذه الآية فيمن كان يفتن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ‏ { ‏ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا‏ }‏‏.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ كان قوم من أهل مكة قد أسلموا وكانوا يستخفون بالإسلام، فنزلت فيهم ‏ { ‏ثم إن ربك للذين هاجروا‏ .‏‏.‏‏.‏‏ } ‏الآية، فكتبوا إليهم بذلك أن الله قد جعل لكم مخرجاً فاخرجوا‏.‏ فأدركهم المشركون فقاتلوهم حتى نجا من نجا وقتل من قتل‏.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن رضي الله عنه،
"أن عيوناً لمسيلمة أخذوا رجلين من المسلمين فأتوه بهما، فقال لأحدهما‏:‏ أتشهد أن محمداً رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ أتشهد أني رسول الله‏؟‏ فأهوى إلى أذنيه فقال‏:‏ إني أَصَمّ‏.‏ فأمر به فقتل‏.‏ وقال للآخر‏:‏ أتشهد أن محمداً رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ أتشهد أني رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ فأرسله‏.‏‏.‏‏. ‏فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال‏:‏ ‏‏أما صاحبك فمضى على إيمانه، وأما أنت فأخذْتَ الرخصة"
‏"‏‏. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله‏:‏ ‏ { ‏ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا‏ }‏ قال‏:‏ نزلت في عياش بن أبي ربيعة، أحد بني مخزوم، وكان أخا أبي جهل لأمه، وكان يضربه سوطاً وراحلته سوطا‏ً.
وأخرج ابن جرير عن أبي إسحق في قوله‏:‏ ‏{ ‏ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا‏ }‏ قال‏:‏ نزلت هذه الآية في عمار بن ياسر وعياش بن أبي ربيعة والوليد بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد رضي الله عنهم‏.