خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ
٢٠
-الأحقاف

الدر المنثور في التفسير بالمأثور

أخرج ابن مردويه عن حفص بن أبي العاصي قال: كنا نتغدى مع عمر رضي الله عنه فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله في كتابه { ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم } الآية.
وأخرج سعيب بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر والحاكم والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه رأى في يد جابر بن عبد الله درهماً فقال: ما هذا الدرهم؟ قال: أريد أن أشتري به لحماً لأهلي قرموا إليه فقال: أفكلما اشتهيتم شيئاً اشتريتموه أين تذهب عنكم هذه الآية { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها } .
وأخرج أحمد في الزهد عن الأعمش قال: مر جابر بن عبد الله وهو متعلق لحماً على عمر رضي الله عنه فقال ما هذا يا جابر؟ قال: هذا لحم اشتهيته اشتريته. قال: وكلما اشتهيت شيئاً اشتريته؟ أما تخشى أن تكون من أهل هذه الآية { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا } .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن سالم بن عبد الله بن عمر أن عمر كان يقول: والله ما يعني بلذات العيش أن نأمر بصغار المعزى فتسمط لنا، ونأمر بلباب الحنطة فتخبز لنا، ونأمر بالزبيب فينبذ لنا في الاسعان حتى إذا صار مثل عين اليعقوب أكلنا هذا وشربنا هذا، ولكنا نريد أن نستبقي طيباتنا لأنا سمعنا الله يقول { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا } الآية.
وأخرج أبو نعيم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رضي الله عنه قال: قدم على عمر رضي الله عنه ناسٌ من العراق فرأى كأنهم يأكلون هديراً فقال يا أهل العراق لو شئت أن يدهمق لي كما يدهمق لكم لفعلت ولكنا نستبقي من ربنا ما نجده في آخرتنا أما سمعتم الله يقول لقوم { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا } الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها } قال: تعلموا أن أقواماً يسترطون حسناتهم في الدنيا استبقى رجل طيباته إن استطاع ولا قوّة إلا بالله. قال: وذكر لنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: لو شئت لكنت أطيبكم طعاماً وألينكم لباساً ولكني أستبقي طيباتي، وذكر لنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قدم الشام صنع له طعاماً لم ير قبله مثله قال: هذا لنا فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا يشبعون من خبز الشعير؟ فقال خالد بن الوليد رضي الله عنه: لهم الجنة. فاغرورقت عينا عمر رضي الله عنه فقال: لئن كان حظنا من هذا الحطام وذهبوا بالجنة لقد باينونا بوناً بعيداً.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي مجلز رضي الله عنه قال: ليطلبن ناس حسنات عملوها فيقال لهم { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها } الآية.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه قال: أتي عمر رضي الله عنه بشربة عسل فقال: والله لا أتحمل فضلها اسقوها فلاناً.
وأخرج عبد بن حميد عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: رآني عمر رضي الله عنه وأنا متعلق لحماً فقال يا جابر ما هذا؟ قلت: لحم اشتريته بدرهم لنسوة عندي قرمن إليه فقال أما يشتهي أحدكم شيئاً إلا صنعه أما يجد أحدكم أن يطوي بطنه لجاره وابن عمه؟ أين تذهب هذه الآية { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا } قال فما انفلتّ منه حتى كدت أن لا أنفلت.
وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد عن حميد بن هلال قال: كان حفص رضي الله عنه يكثر غشيان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، وكان إذا قرب طعامه اتقاه، فقال له عمر رضي الله عنه: ما لك ولطعامنا؟ فقال: يا أمير المؤمنين إن أهلي يصنعون لي طعاماً هو ألين من طعامك فاختار طعامهم على طعامك، فقال: ثكلتك أمك أما تراني لو شئت أمرت بشاة فتية سمينة فألقي عنها شعرها ثم أمرت بدقيق فنخل في خرقة فجعل خبزاً مرققاً، وأمرت بصاع من زبيب فجعل في سمن حتى يكون كدم الغزال؟ فقال حفص: إني أراك تعرف لين الطعام. فقال عمر رضي الله عنه: ثكلتك أمك والذي نفسي بيده لولا كراهية أن ينقص من حسناتي يوم القيامة لأشركتكم في لين طعامكم.
وأخرج ابن المبارك وابن سعد وأحمد في الزهد، وعبد بن حميد وأبو نعيم في الحلية عن الحسن قال: قدم وفد أهل البصرة على عمر مع أبي موسى الأشعري فكان له في كل يوم خبز فربما وافقناها مأدومة بزيت، وربما وافقناها مأدومة بسمن، وربما وافقناها مأدومة بلبن، وربما وافقنا القدائد اليابسة قد دقت ثم أغلي لها، وربما وافقنا اللحم الغريض وهو قليل. قال وقال لنا عمر رضي الله عنه: إني والله لقد أرى تقديركم وكراهيتكم طعامي، أما والله لو شئت لكنت أطيبكم طعاماً وأرقكم عيشاً أما والله ما أجهل عن كراكر وأسنمة وعن صلى وصناب وسلائق، ولكني وجدت الله عير قوماً بأمر فعلوه فقال { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها } .
وأخرج أحمد والبيهقي في شعب الإِيمان عن ثوبان رضي الله عنه قال:
"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر كان آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة، وأوّل من يدخل عليه إذا قدم فاطمة. فقدم غزاة فأتاها فإذا بمسح على بابها، ورأى على الحسن والحسين قلبين من فضة فرجع ولم يدخل عليها، فلما رأت ذلك فاطمة ظنت أنه لم يدخل من أجل ما رأى فهتكت الستر ونزعت القلبين من الصبيين فقطعتهما فبكى الصبيان فقسمته بينهما فانطلقا إلى رسوله الله صلى الله عليه وسلم وهما يبكيان فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم منهما، فقال: يا ثوبان اذهب بهذا إلى بني فلان أهل بيت بالمدينة واشتر لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج فإن هؤلاء أهل بيتي ولا أحب أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا والله تعالى أعلم" .