خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ قُلِ ٱللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيۤ إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ
٣٥
-يونس

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ } احتجاجٌ آخرُ على ما ذكر جيء به إلزاماً لهم غِبَّ إلزامٍ وإفحاماً إثرَ إفحام وفصلُه عما قبله لما ذُكر من الدلالة على استقلاله { مَّن يَهْدِى إِلَى ٱلْحَقّ } أي بوجه من الوجوه فإن أدنىٰ مراتبِ المعبودية هدايةُ المعبودِ لعبَدته إلى ما فيه صلاحُ أمرِهم وأما تعيـينُ طريقِ الهدايةِ وتخصيصُه بنصب الحجج وإرسالِ الرسلِ والتوفيقِ للنظر والتدبر كما قيل فمُخِلٌّ بما يقتضيه المقام من كمال التبكيتِ والإلزامِ فإن العجزَ عن الهداية على وجه خاصَ لا يستلزم العجزَ عن مطلق الهدايةِ. وهدىٰ كما يُستعمل بكلمة إلى لتضمّنه معنى الانتهاءِ يُستعمل باللام للدلالة على أن المنتهىٰ غايةُ الهداية وأنها لم تتوجه نحوه على سبـيل الاتفاق ولذلك استُعمل بها ما أسند إلى الله تعالى حيث قيل: { قُلِ ٱللَّهُ يَهْدِى لِلْحَقّ } أي هو يهدي له دون غيره وذلك بما ذكر من نصب الأدلةِ والحججِ وإرسالِ الرسل وإنزال الكتبِ والتوفيقِ للنظر والتدبر وغيرِ ذلك من فنون الهداياتِ، والكلامُ في الأمر بالسؤال والجوابِ كما مر فيما مر { أَفَمَن يَهْدِى إِلَى ٱلْحَقّ } وهو الله عز وجل { أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّى } بكسر الهاء أصله يهتدي فأُدغم وكُسرت الهاء لالتقاء الساكنين وقرىء بكسر الياء إتباعاً لها لحركة الهاء وقرىء بفتح الهاء نقلاً لحركة التاء إليها أي لا يهتدي بنفسه فضلاً عن هداية غيرِه، وفيه من المبالغة ما لا يخفى وإنما نُفي عنه الاهتداءُ مع أن المفهومَ مما سبق نفيُ الهدايةِ لما أن نفيَها مستتبعٌ لنفيه غالباً فإن من اهتدى إلى الحق لا يخلو عن هداية غيرِه في الجملة وأدناها كونُه قدوةً له بأن يراه فيسلُكَ مسلَكَه من حيث لا يدري، والفاءُ لترتيب الاستفهامِ على ما سبق من تحقق هدايتِه تعالى صريحاً وعدمِ هدايةِ شركائِهم المفهومِ من القصر ومن عدم الجوابِ المنبىء عن الجواب بالعدم فإن ذلك مما يَضطرهم إلى الجواب الحقِّ لا لتوجُّبِه الاستفهامَ إلى الترتيب كما يقع في بعض المواقعِ فإن ذلك مختصٌّ بالإنكاري كما في قوله تعالى: { { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوٰنَ ٱللَّهِ } [آل عمران: 162] الخ ونحوه، والهمزةُ متأخرةٌ في الاعتبار وإنما تقديمُها في الذكر لإظهار عراقتِها في اقتضاء الصدارةِ كما هو رأيُ الجمهورِ حتى لو كان السؤالُ بكلمة أي لأخِّرت حتماً، ألا يُرى إلى قوله تعالى: { فَأَىُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ } [الأنعام: 83] إثرَ تقديرِ ما يُلجىء المشركين إلى الجواب من حالهم وحالِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرىء لا يهدي بمعنى لا يهتدي لمجيئه لازماً أو لا يهدي غيرَه، وصيغةُ التفضيلِ إما على حقيقتها والمفضلُ عليه محذوف كما اختاره مكي والتقدير أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع ممن لا يهدي أم من لا يهدي أحق الخ. وإما بمعنى حقيقتي كما اختاره أبو حيان، وأياً ما كان فالاستفهامُ للإلزام وأن يُتَّبعَ في حيز النصب، أو الجرِّ بعد حذفِ الجارِّ على الخلاف المعروفِ أي بأن يتبع { إِلا أَنْ يَهْدِى } استثناءٌ مفرَّغٌ من أعم الأحوالِ أي لا يهتدي أو لا يهتدي غيره في حال من الأحوال إلا حالَ هدايتِه تعالى له إلى الاهتداء أو إلى هداية الغير، وهذا حالُ أشرافِ شركائِهم من الملائكة والمسيحِ وعزيرٍ عليهم السلام وقيل: المعنى أم من لا يهتدي من الأوثان إلى مكان فينتقلُ إليه إلا أن يُنقل إليه أو إلا أن ينقُلَه الله تعالى من حاله إلى أن يجعله حيواناً مكلفاً فيهديَه. وقرىء إلا أن يهتدي من التفعيل للمبالغة { فَمَا لَكُمْ } أي أيُّ شيءٍ لكم في اتخاذكم هؤلاء شركاءَ لله سبحانه وتعالى والاستفهامُ للإنكار التوبـيخيِّ وفيه تعجيبٌ من حالهم وقوله تعالى: { كَيْفَ تَحْكُمُونَ } أي بما يقضي صريحُ العقل ببطلانه إنكارٌ لحكمهم الباطلِ وتعجبٌ منه وتشنيعٌ لهم بذلك، والفاءُ لترتيب كلا الإنكارين على ما ظهر من وجوب اتباعِ الهادي إلى الحق.

إن قلت: التبكيتُ بالاستفهام السابقِ إنما يظهر في حق من يعكسُ جوابَه الصحيحَ فيحكم بأحقية من لا يَهدي بالاتباع دون مَنْ يهدي، وهم ليسوا حاكمين بأحقية شركائِهم لذلك دون الله سبحانه وتعالى بل باستحقاقهما جميعاً مع رجحان جانبه تعالى حيث يقولون: هؤلاء شفعاؤُنا عند الله قلتُ: حكمُهم باستحقاقه تعالى للاتباع بطريق الاشتراكِ حكمٌ منهم بعدم استحقاقِه تعالى لذلك بطريق الاستقلال فصاروا حاكمين باستحقاق شركائِهم له دون الله تعالى من حيث لا يحتسبون.