خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ الآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ
٥١
ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ
٥٢
-يونس

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

وقوله عز وجل: { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءامَنْتُمْ بِهِ } إنكارٌ لإيمانهم بنزول العذابِ بعد وقوعِه حقيقةً داخلٌ مع ما قبله من إنكار استعجالِهم به بعد إتيانِه حكماً تحت القولِ المأمورِ به أي أبعد ما وقع العذابُ وحل بكم حقيقةً آمنتم به حين لا ينفعُكم الإيمانُ إنكاراً لتأخيره إلى هذا الحد وإيذاناً باستتباعه للندم والحسرةِ ليُقلعوا عما هم عليه من العناد ويتوجهوا نحوَ التدارُك قبل فوتِ الوقتِ، فتقديمُ الظرفِ للقصر، وقيل: ماذا يستعجل منه متعلِّقٌ بأرأيتم، وجوابُ الشرطِ محذوفً أي تندموا على الاستعجال أو تعرِفوا خطأه، والشرطيةُ اعتراضٌ مقرِّرٌ لمضمون الاستخبار، وقيل: الجوابُ قوله تعالى: { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ } الخ، والاستفهاميةُ الأولى اعتراضٌ والمعنى أخبروني إن أتاكم عذابُه آمنتم به بعد وقوعِه حين لا ينفعكم الإيمانُ ثم جيء بكلمة التراخي دِلالةً على الاستبعاد، ثم زيد أداةُ الشرطِ دِلالةً على استقلاله بالاستبعاد وعلى أن الأولَ كالتمهيد له وجيء (بإذا) مؤكداً (بما) ترشيحاً لمعنى الوقوعِ وزيادةً للتجهيل وأنهم لم يؤمنوا إلا بعد أن لم ينفعْهم الإيمانُ البتةَ.
وقولُه تعالى:

{ ٱلئَـٰنَ } استئنافٌ من جهته تعالى غيرُ داخل تحت القول الملقن مَسوقٌ لتقرير مضمونِ ما سبق على إرادة القولِ، أي قيل لهم عند إيمانهم بعد وقوعِ العذاب: آلآن آمنتم به؟ إنكاراً للتأخير وتوبـيخاً عليه ببـيان أنه لم يكن ذلك لعدم سبق الإنذارِ به ولا للتأمل والتدبرِ في شأنه ولا لشيء آخرَ مما عسى يُعدّ عذراً في التأخير، كان ذلك على طريق التكذيبِ والاستعجالِ به على وجه الاستهزاءِ، وقرىء آلان بحذف الهمزةِ وإلقاء حركتِها على اللام وقوله تعالى: { وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } أي تكذيباً واستهزاءً، جملةٌ وقعت حالاً من فاعل آمنتم المقدرِ لتشديد التوبـيخِ والتقريعِ وزيادةِ التنديمِ والتحسيرِ، وتقديمُ الجارِّ والمجرور على الفعل لمراعاة الفواصلِ دون القصرِ، وقوله تعالى: { ثُمَّ قِيلَ } الخ، تأكيدٌ للتوبـيخ والعتابِ بوعيد العذابِ والعقابِ وهو عطفٌ على ما قدّر قبل آلآن { لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } إن وضعوا الكفرُ والتكذيبُ موضعَ الإيمان والتصديقِ، أو ظلموا أنفسَهم بتعريضها للعذاب والهلاكِ، ووضعُ الموصول موضع الضمير لذمهم بما في حيز الصلة والإشعارِ بعلّيته لإصابة ما أصابهم { ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ } المؤلمَ على الدوام { هَلْ تُجْزَوْنَ } اليوم { إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } في الدنيا من أصناف الكفر والمعاصي التي من جملتها ما مرّ من الاستعجال.