خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ
٦٣
-يونس

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

وقوله عز وجل:

{ ٱلَّذِينَ ءامنوا } أي بكل ما جاء من عند الله تعالى: { وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } أي يقون أنفسَهم عما يحِقّ وقايتُها عنه من الأفعال والتروك وقايةً دائمةً حسبما يفيده الجمعُ بـين صيغتي الماضي والمستقبلِ (وهو) بـيانٌ وتفسيرٌ لهم وإشارةٌ إلى ما به نالوا ما نالوا على طريقة الاستئنافِ المبنيِّ على السؤال، ومحلُّ الموصولِ الرفعُ على أنه خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ كأنه قيل: مَنْ أولئك وما سببُ فوزِهم بتلك الكرامةِ؟ فقيل: هم الذين جمعوا بـين الإيمانِ والتقوى المُفْضِيَـيْن إلى كل خير المُنْحِيَـيْن عن كل شر وقيل: محلُّه النصبُ أو الرفعُ على المدح أو على أنه وصفٌ مادحٌ للأولياء، ولا يقدح في ذلك توسطُ الخبرِ، والمرادُ بالتقوى المرتبةُ الثالثةُ منها الجامعةُ لما تحتها من مرتبة التوقي عن الشرك التي يفيدها الإيمانُ أيضاً ومرتبةِ التجنبِ عن كل ما يُؤثم من فعل وترك، أعني تنزهَ الإنسانِ عن كل ما يشغل سرَّه عن الحق والتبتلِ إليه بالكلية وهي التقوىٰ الحقيقيُّ المأمورُ به في قوله تعالى: { { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } [آل عمران: 102] وبه يحصُل الشهودُ والحضورُ والقُرب الذي عليه يدورُ إطلاقُ الاسمِ عليه، وهكذا كان حالُ كل من دخل معه عليه السلام تحت الخطاب بقوله عز وجل: { { وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ } [يونس: 61] خلا أن لهم في شأن التبتّلِ والتنزّهِ درجاتٍ متفاوتةً حسب تفاوتِ درجاتِ استعدادتِهم الفائضةِ عليهم بموجب المشيئةِ المبنيةِ على الحِكَم الأبـيةِ أقصاها ما انتهى إليه هممُ الأنبـياءِ عليهم السلام حتى جمعوا بذلك بـين رياستي النبوة والولايةِ يعُقْهم التعلقُ بعالم الأشباح عن الاستغراقِ في عالم الأرواح ولم تصُدَّهم الملابسةُ بمصالح الخلقِ عن التبتل إلى جناب الحقِّ لكمال استعدادِ نفوسِهم الزكيةِ المؤيدةِ بالقوة القدسيةِ، فمَلاكُ أمرِ الولاية هو التقوى المذكورُ فأولياءُ الله هم المؤمنون المتقون، ويقرُب منه ما قيل من أنهم الذين تولّى الله هدايتَهم بالبرهان وتولَّوُا القيامَ بحق عبوديةِ الله تعالى والدعوةِ إليه ولا يخالفه ما قيل من أنهم الذين يُذكرُ الله برؤيتهم لما رُوي عن سعيد بن جبـير " أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سُئل مَنْ أولياءُ الله فقال: هم الذين يُذكرُ الله برؤيتهم أي بسَمْتهم وإخباتهم وسكينتهم" ، ولا ما قيل من أنهم المتحابّون في الله لما رُوي (عن عمرَ رضي الله عنه أنه قال: سمعت النبـي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن من عبادِ الله عباداً ليسوا بأنبـياءَ ولا شهداءَ يغبِطُهم الأنبـياءُ والشهداءُ يوم القيامة لمكانهم من الله قالوا: يا رسولَ الله خبِّرنا من هم وما أعمالُهم فلعلنا نحبّهم، قال: هم قوم تحابُّوا في الله على غير أرحامٍ منهم ولا أموالٍ يتعاطَونها فوالله إن وجوهَهم لنورٌ وإنهم لعلى منابرَ من نور لا يخافون إذا خاف الناسُ ولا يحزنون إذا حزِن الناسُ" فإن ما ذكر من حسن السَّمْت والسكينةِ المذكِّرةِ لله تعالى والتحابِّ في الله سبحانه من الأحكام الدنيويةِ اللازمة للإيمان والتقوى والآثارِ الخاصّةِ بهما الحقيقةِ بالتخصيص بالذكر لظهورها وقُربها من أفهام الناسِ قد أورد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كلاًّ من ذلك حسبما يقتضيه مقامُ الإرشادِ والتذكيرِ ترغيباً للسائلين أو غيرِهم من الحاضرين فيما خصه بالذكر هناك من أحكامهم فلعلَّ الحاضرين أولاً كانوا محتاجين إلى إصلاح الحالِ من جهة الأقوالِ والأفعال والملابس ونحو ذلك، والحاضرين ثانياً مفتقرين إلى تأليف قلوبِهم وعطِفها نحوَ المؤمنين الذين لا علاقة بـينهم وبـينهم من جهة النسبِ والقرابةِ وتأكيدِ ما بـينهم من الأخوة الدينية ببـيان عِظَم شأنِها ورفعةِ مكانتها وحُسن عاقبتِها ليُراعوا حقوقَها ويهجُروا من لا يوافقهم في الدين من أرحامهم، وأما ما ذكر من أنه يغبِطُهم الأنبـياءُ فتصويرٌ لحسن حالِهم على طريقة التمثيلِ. قال الكواشي: وهذا مبالغةٌ، والمعنى لو فُرض قومٌ بهذه الصفة لكانوا هؤلاء وقيل: أولياءُ الله الذين يتولّونه بالطاعة ويتولاهم بالكرامة وجُعل قوله عز وجل: { ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } تفسيرا لتولّيهم إياه تعالى.