خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ
٧٢
فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنْذَرِينَ
٧٣
-يونس

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ } الفاءُ لترتيب التولِّي على ما سبق فالمرادُ به إما الاستمرارُ عليه وإما إحداثُ التولّي المخصوصِ، أي إن أعرضتم عن نصيحتي وتذكيري إثرَ ما شاهدتم مني من مخايل صحةِ ما أقول ودلائلِها التي من جملتها دعوتي إياكم جميعاً إلى تحقيق ما تريدون بـي من السوء غيرَ مبالٍ بكم وبما يأتي منكم وإحجامُكم من الإجابة علماً منكم بأني على الحق المبـين مؤيدٌ من عند الله العزيز { فَمَا سَأَلْتُكُمْ } بمقابلة وعظي وتذكيري { مِنْ أَجْرٍ } تؤدّونه إلي حتى يؤدي ذلك إلى توليكم إما لاتهامكم إياي بالطمع والسؤالِ وإما لثقلِ دفع المسؤولِ عليكم أو حتى يضرّني توليكم المؤدِّي إلى الحرمان، فالأولُ لإظهار بطلان التولي ببـيان عدمِ ما يصححه والثاني لإظهار عدم مبالاتِه عليه السلام بوجوده وعدمه، وعلى التقديرين فالفاء الجزائيةُ لسببـية الشرطِ لإعلام مضمونِ الجزاءِ لا لنفسه، والمعنى إن توليتم فاعلموا أن ليس في مصحِّح له ولا تأثّرٍ منه وقوله عز وجل: { إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ } ينتظم المعنيـين جميعاً خلا أنه على الأول تأكيدٌ وعلى الثاني تعليلٌ لاستغنائه عليه السلام عنه أي ما ثوابـي على العِظة والتذكير إلا عليه تعالى يُثيبني به آمنتم أو توليتم { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } المنقادين لحكمه لا أخالف أمرَه ولا أرجو غيرَه أو المستسلمين لكل ما يصيب من البلاء في طاعة الله تعالى { فَكَذَّبُوهُ } فأصروا على ما هم عليه من التكذيب بعدما ألزمهم الحجةَ وبـيّن لهم المَحَجّةَ وحقق أن تولّيَهم ليس له سببٌ غيرُ التمردِ والعناد فلا جرم حقت عليهم كلمةُ العذاب { فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِى ٱلْفُلْكِ } من المسلمين وكانوا ثمانين { وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ } من الهالكين { وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا } أي بالطوفان، وتأخيرُ ذكره عن ذكر الإنجاءِ والاستخفاف حسبما وقع في قوله عز وعلا: { { وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ } [هود: 94] وغيرِ ذلك من الآيات الكريمة لإظهار كمالِ العناية بشأنِ المقدّمِ ولتعجيل المسرةِ للسامعين وللإيذان بسبق الرحمةِ التي هي من مقتضيات الربوبـية على الغضب الذي هو من مستتبعات جرائمِ المجرمين { فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنْذَرِينَ } تهويلٌ لما جرى عليهم وتحذيرٌ لمن كذب الرسولَ عليه الصلاة والسلام وتسليةٌ له صلى الله عليه وسلم.