خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَـٰؤُلاۤءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ
١٠٩
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ
١١٠
-هود

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ فَلاَ تَكُ فِى مِرْيَةٍ } أي في شك، والفاءُ لترتيب النهي على ما قُصّ من القصص وبُـيّن في تضاعيفها من العواقب الدنيوية والأخروية { مّمَّا يَعْبُدُ هَـؤُلاء } أي من جهة عبادةِ هؤلاء المشركين وسوءِ عاقبتها أو من حال ما يعبُدونه من الأوثان في عدم نفعِه لهم. ولمّا كان مَساقُ النظمِ الكريم قبـيل الشروعِ في القصص لبـيان غايةِ سوءِ حال الكفرةِ وكمالِ حسنِ حال المؤمنين، وقد ضُرب لهم مثلُ فقيل: { { مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ كَٱلأَعْمَىٰ وَٱلأَصَمِّ وَٱلْبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } [نوح: 17] وقد قُص عَقيبَ ذلك من أنباء الأممِ السالفة مع رسلهم المبعوثةِ إليهم ما يتذكر به المتذكِّرُ ـ نُهي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن كونه في شك من مصير أمرِ هؤلاءِ المشركين في العاجل والآجلِ ثم علل ذلك بطريق الاستئناف فقيل: { مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ ءابَاؤهُم } الذين قُصّت عليك قصصُهم { مِن قَبْلُ } أي هم وآباؤُهم سواءٌ في الشرك، ما يعبدون عبادةً إلا كعبادتهم أو ما يعبدون شيئاً إلا مثلَ ما عبدوه من الأوثان، والعدولُ إلى صيغة المضارعِ لحكاية الحالِ الماضيةِ لاستحضار صورتِها، أو مثلَ ما كانوا يعبدونه فحُذف كان لِدلالة قولهِ: (من قبل) عليه، ولقد بلغك ما لحق بآبائهم فسيلحقهم مثلُ ذلك فإن تماثلَ الأسبابِ يقتضي تماثل المسبَّبات { وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ } أي هؤلاء الكفرة { نَصِيبَهُمْ } أي حظَّهم المعيَّنَ لهم حسب جرائمِهم وجرائرِهم من العذاب عاجلاً وآجلاً كما وفّينا آباءَهم أنصباءَهم المقدّرة لهم، أو من الرزق المقسومِ لهم فيكون بـياناً لوجه تأخُّرِ العذاب عنهم مع تحقق ما يوجبه { غَيْرَ مَنقُوصٍ } حالٌ مؤكدة من النصيب كقوله تعالى: { ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } [التوبة: 25] وفائدتُه دفعُ توهّم التجوّزِ وجعلُها مقيدةً له لدفع احتمالِ كونِه منقوصاً في حد نفسه مبنيٌّ على الذهول عن كون العاملِ هو التوفيةَ فتأمل.

{ وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَـٰبَ } أي التوراةَ { فَٱخْتُلِفَ فِيهِ } أي في شأنه وكونِه من عند الله تعالى فآمن به قومٌ وكفر به آخرون فلا تبالِ باختلاف قومِك فيما آتيناك من القرآن وقولِهم: { لَوْلاَ أُنُزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ } [هود: 12] وزعمِهم أنك افتريتَه { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ } وهي كلمةُ القضاءِ بإنظارهم إلى يوم القيامةِ على حسب الحِكمةِ الداعيةِ إلى ذلك { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } أي لأوقع القضاءَ بـين المختلفين من قومك بإنزال العذابِ الذي يستحقه المبطِلون ليتميّزوا به عن المُحِقّين، وقيل: بـين قوم موسى وليس بذاك { وَإِنَّهُمْ } أي وإن كفارَ قومِك أريد به بعضُ من رجع إليهم ضميرُ بـينهم للأمن من الإلباس { لَفِى شَكّ } عظيم { مِنْهُ } أي من القرآن وإن لم يجْرِ له ذكر، فإن ذكرَ إيتاءِ كتابِ موسى ووقوعِ الاختلافِ فيه لا سيما بصدد التسليةِ ينادي به نداءً غيرَ خفي { مُرِيبٍ } مُوقِع في الريبة.