خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيۤ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ
٢٨
-هود

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ قَالَ يَـا قَوْمِ أَرَءيْتُمْ } أي أخبروني وفيه إيماءٌ إلى ركاكة رأيِهم المذكور { إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيّنَةٍ } برهانٍ ظاهر { مّن رَّبّى } وشاهدٍ يشهد بصِحّة دعواي { وَآتَانِى رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ } هي النبوةُ، ويجوز أن تكون هي البـينةَ نفسَها جيء بها إيذاناً بأنها ـ مع كونها بـينةً من الله تعالى ـ رحمةٌ ونعمةٌ عظيمة من عنده، فوجْهُ إفرادِ الضمير في قوله تعالى: { فَعُمّيَتْ عَلَيْكُمْ } حينئذ ظاهرٌ وإن أريد بها النبوةُ وبالبـينة البرهانُ الدالُّ على صحتها فالإفرادُ لإرادة كلِّ واحدةٍ منهما أو لكون الضميرِ للبـينة والاكتفاءِ بذلك لاستلزام خفائِها خفاءَ النبوةِ، أو لتقدير فعلٍ آخرَ بعد البـينة، ومعنى عُمِّيت أُخفيت، وقرىء عمِيَت ومعناه خَفِيت، وحقيقتُه أن الحجةَ كما تجعل مُبصِرة وبصيرةً تجعلُ عمياءَ، لأن الأعمى لا يهتدي ولا يهدي غيرَه، وفي قراءة أُبـيّ فعمّاهما عليكم على الإسناد إلى الله عز وجل { أَنُلْزِمُكُمُوهَا } أي أنُكرِهُكم على الاهتداء بها، وهو جوابُ أرأيتم وسادٌّ مسدَّ جوابِ الشرطِ، وقرأ أبو عمرو بإخفاء حركةِ الميمِ، وحيث اجتمع ضميران منصوبان وقد قُدِّم أعرفُهما جاز في الثاني الوصلُ والفصلُ، فوصل كما في قوله تعالى: { { فَسَيَكْفِيكَهُمُ ٱللَّهُ } [البقرة: 137] { وَأَنتُمْ لَهَا كَـٰرِهُونَ } لا تختارونها ولا تتأملون فيها، ومحصولُ الجوابِ أخبروني إن كنتُ على حجة ظاهرةِ الدِلالة على صِحّة دعواي إلا أنها خافيةٌ عليكم غيرُ مُسلَّمةٍ عندكم، أيمكنُنا أن نكرِهَكم على قَبولها وأنتم معرضون عنها غيرَ متدبِّرين فيها أي لا يكون ذلك، وظاهرُه مُشعِرٌ بصدوره عنه عليه الصلاة والسلام بطريق إظهارِ اليأسِ عن إلزامهم القعودَ عن مُحاجَّتهم كقوله تعالى: { وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِى } [هود: 34] الخ، لكنه محمولٌ على أن مرادَه عليه الصلاة والسلام ردُّهم عن الإعراض عنها وحثُّهم على التدبّر فيها بصرف الإنكارِ إلى الإلزام حالَ كراهتِهم لها لا إلى الإلزام مطلقاً، هذا ويجوز أن يكون المرادُ بالبـينة دليلَ العقلِ الذي هو ملاكُ الفضل، وبحسبه يمتاز أفرادُ البشرِ بعضُها من بعض وبه يناط الكرامةُ عند الله عز وجل والاجتباءُ للرسالة، وبالكون عليها التسمكُ به والثباتُ عليه وبخفائها على الكفرة ـ على أن الضميرَ للبـينة ـ عدمُ إدراكِهم لكونَه عليه الصلاة والسلام عليها وبالرحمة النبوةُ التي أنكروا اختصاصَه عليه السلام بها بـين ظَهرانيهم، والمعنى أنكم زعمتم أن عهدَ النبوةِ لا يناله إلا من له فضيلةٌ على سائر الناسِ مستتبِعةٌ لاختصاصه به دونهم، أخبروني إن امتزتُ عنكم بزيادة مزيةٍ وحيازةِ فضيلةٍ من ربـي وآتاني بحسبها نبوةً منه فخفِيَتْ عليكم تلك البـينةُ ولم تُصيبوها ولم تنالوها ولم تعلموا حيازتي لها وكوني عليها إلى الآن حتى زعمتم أني مثلُكم وهي متحققةٌ في نفسها أنلزمكم قبولَ نبوتي التابعةِ لها والحالُ أنكم كارهون لذلك فيكون الاستفهامُ للحمل على الإقرار، وهو الأنسبُ بمقام المُحاجّةِ وحينئذٍ يكون كلامُه عليه الصلاة والسلام جواباً عن شُبَههم التي أدرجوها في خلال مقالِهم من كونه عليه السلام بشراً، قصارى أمره أن يكون مثلَهم من غير فضلٍ له عليهم وقطعاً لشأفة آرائِهم الركيكة.