خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَلاۤ إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ
٦٠
وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَٱسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ
٦١
-هود

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وأُُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً } إبعاداً عن الرحمة وعن كل خير، أي جُعلت اللعنةُ لازمةً لهم، وعبّر عن ذلك بالتبعية للمبالغة فكأنها لا تفارقهم وإن ذهبوا كلَّ مذهبٍ بل تدور معهم حيثما داروا، ولوقوعه في صحبة اتباعهم رؤساءهم يعني أنهم لما اتّبعوهم أُتبعوا ذلك جزاءً لصنيعهم جزاءً وفاقاً { وَيومَ الْقِيَامَةِ } أي أُتبعوا يوم القيامة أيضاً لعنةً وهي عذابُ النارِ المخلد حُذفت لدِلالة الأولى عليها، وللإيذان بكون كلَ من اللغتين نوعاً برأسه لم تُجمعا في قرن واحد بأن يقال: وأتبعوا في هذه الدنيا ويومَ القيامة لعنةً كما في قوله تعالى: { { واكتبْ لنا في هذه الدنيا حسنةً وفي الآخرة } [الأعراف: 156] إيذاناً باختلاف نوعي الحسنتين، فإن المرادَ بالحسنة الدنيويةِ نحوُ الصحةِ والكفافِ والتوفيقِ للخير وبالحسنة الأخروية الثوابُ والرحمةُ { أَلا إِنَّ عَاداً كَفَرُوا رَبَّهُم } أي بربهم أو نعمةَ ربهم حملاً له على نقيضه الذي هو الشكرُ، أو جحدوه { ألاَ بُعْداً لِعَادٍ } دعاءٌ عليهم بالهلاك مع كونهم هالكين أيَّ هلاك، تسجيلاً عليهم باستحقاق الهلاكِ واستيجابِ الدمار، وتكريرُ حرفِ التنبـيهِ وإعادةُ عادٍ للمبالغة في تفظيع حالِهم والحثِّ على الاعتبار بقصتهم { قومِ هُود } عطفُ بـيانٍ لعاد فائدتُه التميـيزُ عن عادِ إرمَ، والإيماءُ إلى أن استحقاقَهم للبعد بسبب ما جرى بـينهم وبـين هودٍ عليه الصلاة والسلام وهم قومُه.

{ وإلى ثمود أخاهُم صالحاً } عطفٌ على ما سبق من قوله تعالى: { وإلى عادٍ أخاهُم هُوداً } وثمودٌهي قبـيلةٌ من العرب سُمّوا باسم أبـيهم الأكبرِ ثمودَ بنِ عابر بن إرمَ بنِ سام وقيل: إنما سُمّوا بذلك لقلة مائِهم من الثَّمْد وهو الماءُ القليل، وصالح عليه الصلاة والسلام هو ابنُ عبـيدِ بنِ آسف بنِ ماشج بن عبـيدِ بن جادر بن ثمودَ، ولما كان الإخبارُ بإرساله إليهم مظِنّةً لأن يسأل ويقال: ماذا قال لهم؟ قيل جواباً عنه بطريق الاستئنافِ: { قالَ يَا قوم اعْبدُوا الله } أي وحدَه وعلل ذلك بقوله: { مَا لَكُم مِّن إلٰهٍ غيرُهُ } ثم زيد فيما يبعثهم على الإيمان والتوحيدِ ويحثّهم على زيادة الإخلاصِ فيه بقوله: { هُو أنشَأَكُم مِّن الأَرْضِ } أي هو كوّنكم وخلقَكم منها لا غيرُه، قصرُ قلبٍ أو قصرُ إفرادٍ فإن خلق آدمَ عليه الصلاة والسلام منها خلقٌ لجميع أفرادِ البشر منها لما مر مراراً من أن خِلقتَه عليه الصلاة والسلام لم تكن مقصورةً على نفسه بل كانت أُنموذجاً منطوياً على خلق جميعِ ذرياتِه التي ستوجد إلى يوم القيامة انطواءً إجمالياً، وقيل: إن خلقَ آدمَ عليه الصلاة والسلام وإنشاءَ موادِّ النطَفِ التي منها خُلق نسلُه من التراب إنشاءٌ لجميع الخلقِ من الأرض فتدبر { واسْتَعمرَكُم } من العمر أي عمّركم واستبقاكم { فِيهَا } أو من العِمارة أي أقدركم على عِمارتها أو أمركم بها، وقيل: هو من العُمرىٰ بمعنى أعمرَكم فيها ديارَكم ويرِثها منكم بعد انصرامِ أعمارِكم أو جعلكم معمِّرين ديارَكم تسكُنونها مدةَ عمرِكم ثم تتركونها لمثلكم { فاسْتغفِرُوه ثُمَّ تُوبُوا إِلَيه } فإن ما فُصل من فنون الإحسانِ داعٍ إلى الاستغفار عما وقع منهم من التفريط والتوبةِ عما كانوا يباشرونه من القبائح، وقد زيد في بـيان ما يوجب ذلك فقيل: { إنَّ رَبِّـي قَرِيب } أي قريبُ الرحمةِ كقوله تعالى: { إن رحمةَ الله قريبٌ من المحسنين } [الاعراف: 56] { مُّجِيبٌ } لمن دعاه وسأله، وقد روعيَ في النظم الكريمِ نكتةٌ حيث قُدّم ذكرُ العلةِ الباعثةِ المتقدمةِ على الأمر بالاستغفار والتوبةِ وأُخّر عنه ذكرُ الغائيةِ المتأخرةِ عنهما في الوجود أعني الإجابة.