خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالُواْ يٰصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـٰذَا أَتَنْهَانَآ أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ
٦٢
قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ
٦٣
-هود

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ قَالُوا يا صَالِحُ قد كُنتَ فينَا مَرْجُوّاً } أي كنا نرجو منك لِما كنا نرى منك من دلائل السَّداد ومخايلِ الرشاد أن تكون لنا سيداً ومستشاراً في الأمور. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: فاضلاً خيّراً نقدّمك على جميعنا. وقيل: كنا نرجو أن تدخُلَ في ديننا وتوافقَنا على ما نحن عليه. { قَبْلَ هَذَا } الذي باشرتَه من الدعوة إلى التوحيد وتركِ عبادةِ الآلهة، أو قبل هذا الوقتِ فكأنهم لم يكونوا إلى الآن على يأس من ذلك ولو بعد الدعوةِ إلى الحق فالآن قد انصرَم عنك رجاؤُنا. وقرأ طلحةُ مرجُوءاً بالمد والهمزة { أَتَنْهَانا أَن نَعْبُد مَا يَعبد آبَاؤنا } أي عبَدوه، والعدولُ إلى صيغة المضارعِ لحكاية الحالِ الماضية { وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيهِ } من التوحيد وتركِ عبادةِ الأوثانِ وغيرِ ذلك من الاستغفار والتوبة { مُرِيبٍ } أي مُوقعٌ في الريبة، مِنْ أرابه أي أوقعه في الريبة، أي قلقِ النفسِ وانتفاءِ الطمُأنينة أو من أراب إذا كان ذا رِيبةٍ وأيَّهما كان فالإسنادُ مجازيٌّ والتنوينُ فيه وفي (شك) للتفخيم.

{ قَالَ يَـا قَوْمِ أَرَءيْتُمْ } أي أخبروني { إِن كُنتُ } في الحقيقة { عَلَىٰ بَيّنَةٍ } أي حجةٍ ظاهرةٍ وبرهانٍ وبصيرة { مّن رَّبّى } مالكي ومتولّي أمري { وَآتَانِى مِنْهُ } من جهته { رَحْمَةً } نبوّةً، وهذه الأمورُ وإن كانت محقّقة الوقوعِ لكنها صُدّرت بكلمة الشك اعتباراً لحال المخاطبـين ورعايةً لحسن المحاوَرةِ لاستنزالهم عن المكابرة { فَمَن يَنصُرُنِى مِنَ ٱللَّهِ } أي ينجِّيني من عذابه، والعدولُ إلى الإظهار لزيادة التهويلِ والفاءُ لترتيب إنكارِ النُّصرةِ على ما سبق من إيتاء النبوةِ وكونِه على بـينة من ربه على تقدير العصيانِ حسبما يُعرب عنه قوله تعالى: { إِنْ عَصَيْتُهُ } أي بالمساهلة في تبليغ الرسالةِ والمجاراةِ معكم فيما تأتون وتذرون فإن العصيانَ ممنْ ذلك شأنُه أبعدُ والمؤاخذةَ عليه ألزمُ وإنكارَ نُصرتِه أدخل { فَمَا تَزِيدُونَنِى } إذن باستتباعكم إيايَ كما ينبىء عنه قولُهم: { قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّا قَبْلَ هَـٰذَا } أي لا تفيدونني إذ لم يكن فيه أصلُ الخُسران حتى يزيدوه { غَيْرَ تَخْسِيرٍ } أي غيرَ أن تجعلوني خاسراً بإبطال أعمالي وتعريضي لسخط الله تعالى أو فما تزيدونني بما تقولون غيرَ أن أنسُبَكم إلى الخسران وأقولَ لكم: إنكم الخاسرون، فالزيادةُ على معناه، والفاءُ لترتيب عدمِ الزيادةِ على انتفاء الناصِرِ المفهومِ من إنكاره على تقدير العصيان مع تحقق ما ينفيه من كونه عليه الصلاة السلام على بـينة من ربه وإيتائِه النبوةَ.