خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ
٨
وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ
٩
-هود

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ } المترتِّبَ على بعثهم أو العذابَ الموعود في قوله تعالى: { { وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } [هود: 3] وقيل: عذابُ يومِ بدر، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قتلُ جبريلَ عليه السلام للمستهزِئين، والظاهرُ أن المرادَ به العذابُ الشاملُ للكفرة دون ما يُخَصّ ببعض منهم، على أنه لم يكن موعوداً يستعجل منه المجرمون { إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ } إلى طائفة من الأيام قليلةٍ لأن ما يحصُره العدُّ قليلٌ { لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ } أي أيُّ شيءٍ يمنعه من المجيء فكأنه يريده فيمنعه مانعٌ وإنما كانوا يقولونه بطريق الاستعجالِ استهزاءً لقوله تعالى: { مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ } ومرادُهم إنكارُ المجيءِ والحبْسِ رأَساً لا الاعترافُ به والاستفسارُ عن حابسه { أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ } ذلك { لَيْسَ مَصْرُوفاً } محبوساً { عَنْهُمْ } على معنى أنه لا يرفعه رافعٌ أبداً إن أريد به عذابُ الآخرة أو لا يدفعه عنكم دافعٌ بل هو واقعٌ بكم إن أريد به عذابُ الدنيا، ويومَ منصوبٌ بخبر ليس مقدماً عليه، واستدل به البصريون على جواز تقديمِه على ليس إذ المعمولُ تابعٌ للعامل فلا يقع إلا حيث يقعُ متبوعُه، ورُدَّ بأن الظرفَ يجوز فيه ما لا يجوز في غيره توسّعاً وبأنه قد يُقدّم المعمولُ حيث لا مجالَ لتقدم العامِلِ كما في قوله تعالى: { { فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ وَأَمَّا ٱلسَّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ } [الضحى: 9, 10] فإن اليتيمَ والسائلَ مع كونهما منصوبـين بالفعلين المجزومين قد تقدما على لا الناهيةِ مع امتناع تقدمِ الفعلين عليهما. قال أبو حيان: وقد تتبعتُ جملةً من دواوين العربِ فلم أظفَرْ بتقديم خبرِ ليس عليها ولا بتقديمِ معمولِه إلا ما دل عليه ظاهرُ هذه الآيةِ الكريمةِ وقولُ الشاعر:

فيأبىٰ فما يزدادُ إلا لجاجةوكنتُ أبـياً في الخنا لست أُقدِمُ

{ وَحَاقَ بِهِم } أي أحاط بهم { مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ } أي العذابُ الذي كانوا يستعجلون به استهزاءً، وفي التعبـير عنه بالموصول تهويلٌ لمكانه وإشعارٌ بعليّة ما ورد في حيز الصلةِ من استهزائهم به لنزوله وإحاطتِه، والتعبـيرُ عنها بالماضي واردٌ على عادة الله تعالى في أخباره لأنها في تحققها وتيقُّنها بمنزلة الكائنةِ الموجودةِ، وفي ذلك من الفخامة والدلالةِ على علو شأنِ المُخْبَرِ به ما لا يخفى. { وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ مِنَّا رَحْمَةً } أي أعطيناه نعمةً من صحة وأمْنٍ وجِدَةٍ وغيرها وأوصلناها إليه بحيث يجد لذّتها { ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ } أي سلبناه إياها، وإيرادُ النزعِ للإشعار بشدة تعلُّقِه بها وحِرْصِه عليها { أَنَّهُ } شديدُ القنوطِ من رَوْح الله قَطوعٌ رجاءَه من عَود أمثالِها عاجلاً أو آجلاً بفضل الله تعالى لقلة صبرِه وعدمِ توكلِه عليه وثقتِه به { لَيَئُوسٌ كَفُورٌ } عظيمُ الكُفرانِ لِما سلف من النعم، وفيه إشارةٌ إلى أنّ النزْعَ إنما كان بسبب كفرانِهم بما كانوا يتقلّبون فيه من نعم الله عز وجل، وتأخيره عن وصف يأسِهم مع تقدمه عليه لرعاية الفواصلِ على أن اليأسَ من فضل الله سبحانه وقطعَ الرجاءِ عن إفاضة أمثالِه في العاجل وإيصالِ أجرِه في الآجل من باب الكُفران للنعمة السالفة أيضاً.