خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ
١
إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
٢
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلْغَافِلِينَ
٣
-يوسف

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

(سورة يوسف عليه السلام مكية إلا الآيات 1 و 2 و 3 و 7 فمدنية وآياتها 111)

{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم } { الر } الكلامُ فيه وفي محله وفيما أريد بالإشارة والآياتِ والكتابِ في قوله تعالى: { تِلْكَ ءايَـٰتُ ٱلْكِتَـٰبِ } عيْنُ ما سلف في مطلع سورةِ يونسَ { ٱلْمُبِينِ } من أبان بمعنى بان أي الظاهرِ أمرُه في كونه من عند الله تعالى وفي إعجازه بنوعيه لا سيما الإخبارُ عن الغيب، أو الواضحِ معانيه للعرب بحيث لا يشتبه عليهم حقائقُه ولا يلتبس لديهم دقائقُه لنزوله على لغتهم أو بمعنى بـيّن أي المبـين لِما فيه من الأحكام والشرائعِ وخفايا المُلكِ والملكوتِ وأسرارِ النشأتين في الدارين وغيرِ ذلك من الحِكَم والمعارف والقصص، وعلى تقدير كونِ الكتاب عبارةً عن السورة فإبانتُه إنباؤُه عن قصة يوسفَ عليه السلام، فإنه قد رُوي أن أحبارَ اليهودِ قالوا لرؤساء المشركين: سلوا محمداً صلى الله عليه وسلم لماذا انتقل آلُ يعقوبَ من الشام إلى مصر، وعن قصة يوسفَ عليه السلام ففعلوا ذلك. فيكون وصفُ الكتابِ بالإبانة من قبـيل براعةِ الاستهلالِ لما سيأتي ولمّا وُصف الكتابُ بما يدل على الشرف الذاتي عُقِّب ذلك بما يدل على الشرف الإضافي فقيل: { إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ } أي الكتابَ المنعوتَ بما ذكر من النعوت الجليلةِ، فإن كان عبارةً عن الكل وهو الأظهرُ الأنسبُ بقوله تعالى: { قُرْءاناً عَرَبِيّاً } إذ هو المشهورُ بهذا الاسم المعروفِ بهذا النعت المتسارعِ إلى الفهم عند إطلاقِهما فالأمرُ ظاهرٌ، وإنْ جُعل عبارةً عن السورة فتسميتُها قرآناً لما عَرفته فيما سلف، والسرُّ في ذلك أنه اسمُ جنسٍ في الأصل يقع على الكل والبعضِ كالكتاب، أو لأنه مصدرٌ بمعنى المفعول أي أنزلناه حالَ كونِه مقروءاً بلغتكم { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } أي لكي تفهموا معانيَه طراً وتحيطوا بما فيه من البدائع خُبْراً وتطّلعوا على أنه خارجٌ عن طوق البشر منزَّلٌ من عند خلاق القُوى والقدر. { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ } أي نخبرك ونحدّثك، واشتقاقُه من قصَّ أثرَه إذا اتّبعه لأن مَنْ يقُصّ الحديثَ يتْبع ما حفِظ منه شيئاً فشيئاً كما يقال: تلا القرآن لأنه يتْبع ما حفِظ منه آيةً بعد آية { أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ } أي أحسن الاقتصاص فنصبُه على المصدرية وفيه مع بـيان الواقعِ إيهامٌ لما في اقتصاص أهلِ الكتاب من القُبح والخلل، وتركُ المفعولِ إما للاعتماد على انفهامه من قوله عز وجل: { بِمَا أَوْحَيْنَا } أي بإيحائنا { إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ } أي هذه السورةَ فإن كونَها مُوحاةً منبىءٌ عن كون ما في ضمنها مقصوصاً، والتعرضُ لعنوان قرآنيتِها لتحقيق أن الاقتصاصَ ليس بطريق الإلهامِ أو الوحي غيرَ المتلوِّ وإما لظهوره من سؤال المشركين بتلقين علماءِ اليهودِ، وأحسنيّتُه لأنه قد اقتُصّ على أبدع الطرائق الرائعةِ الرائقةِ وأعجبِ الأساليب الفائقةِ اللائقةِ كما لا يكاد يخفى على من طالع القصةَ من كتب الأولين والآخرين وإن كان لا يميز الغثّ من السمين، ولا يفرّق بـين الشمال واليمين، وفي كلمة هذا إيماءٌ إلى مغايرة هذا القرآنِ لما في قوله تعالى: { قُرْءاناً عَرَبِيّاً } بأن يكون المرادُ بذلك المجموعَ فتأمل. أو نقص عليك أحسنَ ما نقص من الأنباء وهو قصةُ آلِ يعقوبَ عليه السلام على أن القَصصَ فَعَلٌ بمعنى المفعول كالنبأ والخبر، أو مصدرٌ سُمّي به المفعولُ كالخلْق والصيد، ونصبُ أحسنَ على المفعولية وأحسنيتُها لتضمنها من الحِكم والعِبر ما لا يخفى كمالُ حسنه { وَإِن كُنتُ } إن مخففةٌ من الثقيلة، وضميرُ الشأنِ الواقعُ اسماً لها محذوفٌ واللامُ فارقةٌ والجملةُ خبرٌ والمعنى وإنّ الشأن { مِن قَبْلِهِ } من قبل إيحائِنا إليك هذه السورةَ { لَمِنَ ٱلْغَـٰفِلِينَ } عن هذه القصة لم تخطُر ببالك ولم تقرَعْ سمعَك قطُّ، وهو تعليلٌ لكونه مُوحى، والتعبـيرُ عن عدم العلم بالغفلة لإجلال شأنِ النبـيِّ عليه السلام وإن غفَل عنه بعضُ الغافلين.