خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ
٥٩
-يوسف

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ } أي أصلحهم بعدّتهم من الزاد وما يحتاج إليه المسافر وأوْقَر ركائبَهم بما جاءوا له من المِيرة وقرىء بكسر الجيم { قَالَ ٱئْتُونِى بِأَخٍ لَّكُمْ مّنْ أَبِيكُمْ } لم يقل بأخيكم مبالغةً في إظهار عدم معرفتِه لهم ولعله عليه السلام إنما قاله لِما قيل من أنهم سألوه عليه السلام جَملاً زائداً على المعتاد لبنيامين فأعطاهم ذلك وشرطهم أن يأتوا به لا لما قيل من أنه لما رأَوْه وكلموه بالعبرية قال لهم: من أنتم فإني أنكركم؟ فقالوا له: نحن قومٌ من أهل الشام رعاةٌ أصابنا الجَهدُ فجئنا نمتار، فقال لهم: لعلكم جئتم عُيوناً؟ فقالوا: معاذ الله نحن إخوةٌ بنو أبٍ واحد وهو شيخٌ كبـيرٌ صدّيق نبـيٌّ من الأنبـياء اسمُه يعقوبُ، قال: كم أنتم؟ قالوا: كنا اثني عشر فهلك منا واحدٌ، فقال: كم أنتم هٰهنا؟ قالوا: عشرة، قال: فأين الحادي عشر؟ قالوا: هو عند أبـيه يتسلّى به عن الهالك، قال: فمن يشهدُ لكم أنكم لستم عيوناً وأن ما تقولون حقٌ؟ قالوا: نحن ببلاد لا يعرِفنا فيها أحد فيشهدَ لنا، قال: فدعُوا بعضَكم عندي رهينةً وائتوني بأخيكم من أبـيكم وهو يحمل رسالةً من أبـيكم حتى أصدِّقَكم، فاقترعوا فأصاب القرعةُ شمعونَ فخلّفوه عنده... إذ لا يساعده ورودُ الأمر بالإتيان به عند التجهيزِ ولا الحثُّ عليه بإيفاء الكيل ولا الإحسانُ في الإنزال ولا الاقتصارُ على منع الكيل على تقدير عدمِ الإتيان به ولا جعلُ بضاعتهم في رحالهم لأجل رجوعِهم ولا عِدَتُهم بالإتيان به بطريق المراودة ولا تعليلُهم عند أبـيهم إرسالَ أخيهم بمنع الكيل من غير ذكر الرسالةِ على أن استبقاء شمعونَ لو وقع لكان ذلك طامةً يُنسىٰ عندها كل قيل وقال.

{ أَلاَ تَرَوْنَ أَنّى أُوفِى ٱلْكَيْلَ } أُتمُّه لكم، وإيثارُ صيغة الاستقبالِ مع كون هذا الكلامِ بعد التجهيز للدِلالة على أن ذلك عادةٌ له مستمرَّة { وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ } جملة حالية أي ألا ترون أني أوفي الكيلَ لكم إيفاءً مستمراً والحالُ أني في غاية الإحسانِ في إنزالكم وضيافتِكم وقد كان الأمرَ كذلك، وتخصيصُ الرؤية بالإيفاء لوقوع الخطابِ في أثنائه، وأما الإحسانُ في الإنزال فقد كان مستمراً فيما سبق ولحِق ولذلك أُخبر عنه بالجملة الاسميةِ ولم يقل عليه السلام بطريق الامتنانِ بل لحثّهم على تحقيق ما أمرهم به، والاقتصارُ في الكيل على ذكر الإيفاءِ لأن معاملته عليه السلام معهم في ذلك كمعاملته مع غيرهم في مراعاة مواجبِ العدل، وأما الضيافةُ فليس للناس فيها حقٌّ فخصهم في ذلك بما شاء.